قدرنا الافريقي

العرائش نيوز: 
سليمان الريسوني

2019، سنة تزحف نحونا حاملة معها رياح العشرية الثالثة من جلوس الملك محمد السادس على العرش. ومن الآن ستبدأ جوقة المطبلين وجوقة المتشائمين في تحليل الفترة السابقة، بتعبير فرانسوا سودان، في مقاله الأخير في «جون أفريك».

لكن، دعنا من سودان، فهو شخص يعرف كيف يمكث طويلا ضمن الجوقة الأولى، ومتى يفتعل انتقالا إلى الجوقة الثانية. إن الذي أثار انتباهي في عدد «جون أفريك»، هو الافتتاحية التي كتبها البشير بن يحمد عن الوضع الاقتصادي والسياسي في القارة الإفريقية، بعنوان «مشاكل حادة».

ما قاله بن يحمد في هذه الافتتاحية ينطبق كله على المغرب، باستثناء النقطة التي توقع فيها عودة الانقلابات إلى عدد من الدول الإفريقية بفعل فشل العملية السياسية، لأن المغرب تجشأ هذا النوع من أشكال الوصول إلى السلطة في بداية السبعينيات.

في هذه الافتتاحية، دق الصحافي الخبير بشؤون القارة السمراء أكثر من الكثير من زعمائها، ناقوس الخطر بقوة غير مسبوقة حول الانتكاسات الاقتصادية والسياسية التي تشهدها القارة، مع المديونية الخارجية التي ستتفاقم سنة 2019 لتتحول إلى كابوس إفريقي حقيقي، وقال إن وزراء الاقتصاد الأفارقة ملزمون بإيجاد حل للمشكل، لكنهم لن ينجحوا في ذلك!

لماذا، إذن، يحدد بن يحمد الخطر الاقتصادي ثم يغلق الباب في أوجه المسؤولين الماليين الأفارقة في الوصول إلى حل؟ ببساطة، لأنه يعرف أن ما سيقترحه من حمية اقتصادية ستستفيد منها الشعوب وتتضرر منها الأوليغارشيات (وهي إما مشكِّلة للحكومات وإما متحكمة فيها)، وبالتالي، فهذه الأوليغارشيات، بتعبير بن يخلف، ستمنع أي إصلاح جذري لنمط الاقتراض القائم.

فما هي الوصفة التي يقترحها الصحافي ذو الأصول التونسية؟ يقول إن بلداننا الإفريقية لم يعد أمامها من حل سوى القطع مع الاقتراض بالعملة الصعبة، والتوجه نحو المدخرين الوطنيين، لأن السوق المالي العالمي يقرض الدول الإفريقية بنسبة فائدة تصل إلى 7 في المائة للسنة، في حين أن نسبة الفائدة بالنسبة إلى الدول المتقدمة لا تتعدى 1 أو 2 في المائة في السنة.

أين المغرب، إذن، من هذا الواقع الإفريقي؟ إنه من أكبر الدول الإفريقية مديونية، حيث إن تقريرا لمعهد «ماكينزي» الأمريكي للدراسات حول الدول الأكثر استدانة في العالم، وضع المغرب في صدارة الدول الإفريقية والعربية من حيث حجم الديون مقارنة بالناتج الداخلي الخام.

لقد كان من الممكن تفهم هذه الديون لو أنها كانت تذهب إلى الاستثمار والتنمية، لكنها، في الحقيقة، أدخلت المغرب إلى «النفق المسدود»، بتعبير الاقتصادي نجيب أقصبي، إذ إن الجزء الكبير من المديونية الخارجية للمغرب تدور في دوامة الاقتراض من أجل أداء الديون التي اقترضناها في وقت سابق، وهكذا.

إن مشكلة الاقتصاد المغربي هي أنه اقتصاد مبني على الريع الذي ينخر كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، حيث تبقى المنافسة مجرد مراسيم شكلية يداس عليها في واضحة النهار، وقد لاحظ الجميع كيف أن مؤسسة مهمة مثل مجلس المنافسة بقيت معطلة أزيد من أربع سنوات، بسبب انتهاء ولاية رئيسها. ويصل الريع إلى قمته عندما توظَّف أمواله في إفساد المجال السياسي، وهذا هو المشكل الثاني الذي عالجه البشير بن يحمد بمشرط الخبير.

إن السياسيين الأفارقة، سواء كانوا في الكونغو الديمقراطية أو في المغرب، يلعبون لعبة خطيرة، بفعل ممارساتهم المشبوهة، فالانتخابات الإفريقية ليست سوى مسرحية هزلية وحزينة لا تسمح بالوصول، بشكل حقيقي، إلى السلطة، وبالتالي، فإن التناوب الديمقراطي شبه المستحيل أصبح ينبئ بأن زمن الانقلابات عائد. هكذا يلخص بن يخلف الوضع السياسي في القارة السوداء.

إن ما لم تقله افتتاحية «جون أفريك»، دون أن يغيب بكل تأكيد عن كاتبها الحصيف، هو أن الوضع الاقتصادي والسياسي في إفريقيا سيزداد سوؤه، على المدى المتوسط، استفحالا، بفعل التنافس الأمريكي الصيني الفرنسي في بلدان القارة وخيراتها، حيث أصبحت دفاتر التحمل التي تقدمها هذه الدول المتنافسة تتضمن نقطة غير مكتوبة هي: غض الطرف عن فساد الأنظمة استبدادها.

فهل هذا هو قدرنا الإفريقي؟


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.