من ورشة النجارة إلى كأس العالم.. قصة “كفاح” المغربي أيوب الكعبي

العرائش نيوز:
لعقود طويلة كان الغموض مسيطراً على بطولات كأس العالم، إلا أن التطور التكنولوجي ساهم في إزالته على مر السنوات. ونتيجة لذلك، سيصبح أغلب اللاعبين المشاركين في فعاليات كأس العالم طوال الأسابيع الأربعة القادمة مألوفين لدى جماهير كرة القدم منذ اللحظة التي سيظهرون فيها على الشاشات.
وفي حالة أنك أحد المهووسين بعالم كرة القدم، وتود التعرف على لاعب لم تسمع عنه من قبل، أو أنك ترغب في التعرف على لاعب جديد لتقيم قدراته، فربما عليك متابعة المهاجم المغربي أيوب الكعبي، صاحب القميص رقم 9، الذي انفجرت إمكانياته في السنتين الماضيتين مع فريق نهضة بركان المحلي.
أعتقد أن الجميع يحب قصة كفاح اللاعب الإنكليزي جيمي فاردي الشهيرة، لكن اللعب لصالح أندية هاليفاكس تاون وستوكسبريدغ بارك ستيلز يعد أفضل بكثير من اللعب في صفوف أندية دوريات الهواة التي شارك فيها الكعبي في الدار البيضاء.
فقبل 4 سنوات فقط، كان اللاعب المغربي بصدد أن يتلقى تعليمًا حرفياً ليصبح نجاراً، يعود على إثره لمنزله الواقع في الأحياء الفقيرة في إقليم مديونة على مشارف الدار البيضاء.
أما مساء الجمعة 15 يونيو/حزيران 2018، قاد قاد الكعبي هجوم منتخب بلاده ضد إيران، في سان بطرسبرغ.
بطل محلي الصنع

ما يجعل الكعبي قصة مثيرة للاهتمام، حتى قبل أن يبدأ اللعب في كأس العالم، هو قصته التي تعتبر مغايرة للتوجه العام الذي يعتمده المدرب هيرفي رينارد عند اختياره للاعبي “أسود الأطلس”. وتضم تشكيلة المنتخب المغربي 17 لاعباً محترفاً في الخارج من أصل 23، حيث يمثل اللاعبون الذين ولدوا وترعرعوا في دول أوروبا الغربية قوام التشكيلة الأساسية لمنتخب بلادهم.
وقد نجح أبناء المهاجرين المغاربة، الذين تلقوا تكوينهم الكروي في أرقى الأكاديميات الأوروبية، في ترك بصمة واضحة في الملاعب الأوروبية، وقرروا الآن استثمار مواهبهم في منتخب بلدهم الأصلي في بطولة كأس العالم. مهدي بن عطية قائد المنتخب المغربي، الذي قضى طفولته في فرنسا، وحكيم زياش الذي ترعرع في هولندا ليسوا سوى أمثلة على هذا.
وعلى الرغم من أن الكعبي لا يستطيع منافسة دقة تمريرات زياش أو مهارة يونس بلهندة، الذي ولد في فرنسا، إلا أن أسلوبه ذا الطابع القتالي في الملعب يسلط عليه الضوء. علاوة على دقة تسديداته وقوتها، وهو ما يجعله لاعبا مميزًا كما كونه بطلًا شعبياً لأطفال المغرب.
وتعتبر فرص الصعود إلى مصاف الدوريات الأوروبية الكبرى عن طريق دوريات الهواة في المغرب منعدمة تقريبا، كما تقل فرصك في حال قام فريقك، وهو نادي الراسينغ الرياضي، بإعارتك لإحدى الفرق التي تنشط في أدنى الترتيب.
ولطالما رغب الشاب المغربي في اللعب في خط الهجوم، لكن مدربي نادي الراسينغ، الذين لم يؤمنوا بقدراته اعتقدوا أنه لا يمكن وأن يكون مهاجماً جيداً أو أنه مهاجم من الصف الثاني، قاموا بإدراجه ضمن الخط الدفاعي للفريق، وحاولوا إشراكه في مركزي الظهير الأيمن والأيسر لكنه لم ينجح وكانت مسيرته على وشك الإنتهاء قبل أن يبدأ الفصل الأهم فيها.
وفي محاولة أخيرة، تم الدفع به في خط الوسط. وعندها تمكن الكعبي من تسجيل بعض الأهداف في مركزه الجديد، ارتأى مدربه أنه يستحق فرصة للمشاركة كمهاجم كما كان يحلم دائماً.
وفجأة ظهر جمال السلامي، مدرب منتخب المغرب للـ”محليين”، والذي كان يتابع أيوب الكعبي من المدرجات، ليصبح السلامي نقطة تحول في مسيرة اللاعب المغربي. وشأنه شأن جميع البلدان الأفريقية، يمتلك المغرب منتخبيْن وطنييْن، يضم أولهما نخبة اللاعبين الذين يشرف هيرفي رونار على تدريبهم، في حين يتكون المنتخب الثاني من اللاعبين الذين ينشطون في الدوري المحلي، ويدربهم السلامي. ويشارك هذا المنتخب المحلي في مسابقة قارية وهي “بطولة أمم أفريقيا للمحليين” تحت تنظيم الاتحاد الافريقي لكرة القدم.
وعندما شاهد السلامي كيفية تسديد الكعبي لضربتي جزاء ضد نادي الرجاء البيضاوي، اقتنع على الفور بضرورة ضمه إلى المنتخب. وقد صرح السلامي لمجلة France Football قائلا، “أبهرتني طريقته في تسجيل ضربات الجزاء، خاصة وأنه كان في مواجهة حارس مختص في التصدي لهذه الضربات. لقد كان يمتلك كل المؤهلات؛ كالبراعة والثقة، بالنسبة للاعب ظهير أيسر”.
وكانت تلك البداية، حيث تحول الكعبي من ظهير إلى وسط ميدان دفاعي خلال الموسم الرياضي 2016/2017، وسجل 25 هدفاً في شباك 33 فريقاً، وارتقى من نادي الراسينغ الرياضي إلى البطولة الوطنية المغربية. وقد ساعده ذلك في الانتقال إلى نادي أكبر خلال الصيف الماضي، ألا وهو نادي النهضة البركانية.
“أيوب” في كأس العالم

أما الأهم من ذلك، فتمثل في التحاق الكعبي بمجموعة اللاعبين المغاربة الذين اختارهم المدرب السلامي للتنافس على بطولة أمم أفريقيا للمحليين التي أقيمت في يناير/كانون الثاني 2018 في المغرب. وبعد استفادته من تكوينه المستمر في النادي، حطم الكعبي جميع الأرقام القياسية بتسجيل الأهداف في بطولة أمم أفريقيا للمحليين، حيث أنهى البطولة برصيد 9 أهداف، وظفر المغرب باللقب، بالإضافة إلى فوزه بجائزة أفضل لاعب في البطولة. وقد استقطبت هذه النتائج اهتمام فرق كبرى من خارج المغرب، كما كانت السبب وراء عرض بقيمة 3 ملايين دولار قدمه نادي الزمالك المصري للاعب المغربي.
ولا يعتقد أن الكعبي سيبقى في الدوري المغربي أكثر من هذا، خاصة وأن نادي بيشكتاش التركي يراقبه عن كثب منذ عدة أشهر. لكن، تمثلت الجائزة الحقيقية في ترقيته من فريق المدرب جمال السلامي إلى فريق مدرب المنتخب المغربي هيرفي رينارد، أو بعبارة أخرى، تحوله من مجموعة أفضل اللاعبين المغاربة المحليين إلى أفضل لاعبين مغاربة حول العالم.
وعندما قام المدرب رينارد بالاستعانة بالكعبي خلال مباراة المنتخب المغربي ضد أوزبكستان في 27 مارس/آذار الماضي، التي مثلت أول لقاء دولي يخوضه اللاعب المغربي، لم يستغرق الأمر منه سوى 3 دقائق لتسجيل أولى أهدافه.
ويندرج الكعبي حاليا ضمن التشكيلة الكاملة لمنتخب المغرب في كأس العالم، ويعتبر واحداً من لاعبيْن محلييْن اثنيْن فقط التحقا بروسيا، حيث يتمثل اللاعب الآخر في حارس المرمى الثالث للمنتخب. وقدم الكعبي أداء جيداً للغاية خلال المباريات التحضيرية الأخيرة التي جمعت المنتخب المغربي ضد إستونيا.
ويدعى الكعبي بـ “اللاعب الكادح” نظرًا لكفاحه وكدحه وصبره الطويل من أجل تحقيق حلمه أما داخل الملعب فيطلق عليه اللاعب “المحتال” لأنه يعمل لإفساح المجال أمام زملائه في خط الوسط للتسجيل عن طريق خلق المساحات لهم، بدلاً من أن يسجل هو رغم كونه مهاجم صريح.
كما يجب اعتباره واحدا من أقل لاعبي كرة القدم تلقيا للتدريبات، مع موسم واحد لعبه ضمن دوري الدرجة الثانية في المغرب ومشاركة وحيدة في دوري الدرجة الأولى.
عندما تشاهدون أيوب ستشعرون أنكم أمام شاب خُلق ليكون لاعب كرة قدم وكل ما كان ينتظره هو الفرصة فقط لا غير.


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.