الملتقى التشاوري لشبكة الأحزاب الديمقراطية في منطقة شمال إفريقيا

فود الأحزاب و المنظمات الديمقراطية  في شمال إفريقيا ، كل باسمه و صفته ، إنه لمن دواعي الاعتزاز أن نرحب بإخوتنا من ليبيا  و الجزائر و تونس و موريطانيا و مصر بين ظهرانينا و في بلدهم الثاني: المملكة المغربية  ،و أن نحيي الحضور المهم لأحزابنا الوطنية ،و أن يتجدد اللقاء  في مدينة طنجة بكل رمزية المكان،  حول مائدة تداول و حوار أخوي يربط ماضينا الوحدوي الممتد إلى عمق التاريخ(60 سنة على مؤتمر طنجة 1958) ، بما نطمح إليه و ما تفرضه علينا هويتنا الديمقراطية و ما تطرحه التحديات الحالية و المستقبلية.. 

إخواني، أخواتي ،

بكثير من الوعي و الإرادة يواصل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية انخراطه في مشروعنا الجماعي هذا،  مشروع الدفاع عن قيم و مبادئ ، خصوصية التاريخ السياسي و الاجتماعي لكل بلد ، الوحدة الترابية و الوطنية لكل بلد،  العمل من أجل الديمقراطية و حقوق الإنسان و العدالة الاجتماعية و المساواة بين الجنسين و التقدم و النهوض الحضاري، و محاربة الفقر و التخلف و الانغلاق السياسي و الثقافي و التطرف،  و مناصرة القضايا العادلة للشعوب و في طليعتها و أولويتها الدائمة القضية الفلسطينية و حق الشعب الفلسطيني الذي لا يمكن أن يطاله التقادم  في دولته المستقلة. 

لقد كانت البذرة الأولى ذات لقاء أخوي، جمع إخوة جزائريين و ماليين و تونسيين و مغاربة و ليبيين منتسبون لأحزاب ديمقراطية،  بالجزائر العاصمة في ضيافة المؤتمر الوطني الخامس لإخواننا في “التجمع من أجل الثقافة و الديمقراطية ” ، و كان أقوى ما ورد فى بيان الجزائر أن مبادرة تنسيق و تجميع القوى السياسية الديمقراطية، التقدمية و الحداثية بمنطقة شمال إفريقيا “تفرضها متطلبات تاريخية و اعتبارات سياسية تزداد تداعياتها الجيوسياسية إلحاحا يوما بعد يوم “،  كما قال البيان بحاجة المبادرة إلى “إطار ذو مصداقية و عملي “.

ثم جاء لقاء المنستير بالجمهورية التونسية أيام 14 و 15 أبريل 2018، في ضيافة إخواننا في حركة مشروع تونس،  لقاء ثمن بيان الجزائر ، و عدد  من خلال إعلان المنستير مجالات الاهتمام و وسائل العمل المشترك، و تقرر خلاله تشكيل “هيئة تنسيق عليا مؤقتة” من الأمناء العامين للأحزاب ،ضاربا كموعد لاحق اللقاء في طنجة، على أن يظل الباب مفتوحا في وجه كل القوى الديمقراطية التي تجد نفسها فيما خطته شبكة الأحزاب الديمقراطية في شمال إفريقيا لحد الساعة من منطلقات و غايات. 

إخواني،  أخواتي ،

لقد هبت رياح كثيرة على منطقتنا في العشرية الأخيرة بشكل و عنف و سرعة  غير مسبوق في تاريخ المنطقة، بحيث تغيرت أنظمة، و تفتتت دول،  و عمت فوضى السلاح، و اختلطت تجارة و تهريب المخدرات و البشر و السلاح   في الساحل و الصحراء الكبرى، و استفحلت الهجرات..

لقد كان للرياح العاتية التي هبت وقع كبير على مستوى الاستقرار و على مستوى التحول السياسي،. إذ حيثما لم يقع الاتفاق على تحول سياسي دستوري و ديمقراطي و هادئ فإن اللاستقرار يصبح سيد الموقف،  و قد يبلغ الشتات مداه بتصويب أبناء الشعب الواحد فوهات بنادقهم إلى صدور بعضهم.

لقد اختار كل قطر من أقطارنا سبيله إلى معالجة ارتدادات مرحلة عصيبة من تاريخ منطقتنا، و نحن نعتقد صادقين بأنه رغم انشغالاتنا القطرية الضاغطة،  فإن إخواننا و أشقائنا الليبيين يستحقون منا أن نطلق حملة مدنية واسعة لدعم الانتقال السياسي الديمقراطي في الشقيقة ليبيا.

عندما كانت حناجر الشباب العربي تصدح بشعارات الحرية و الكرامة و  العدالة الاجتماعية فقد كانت تخاطب سلطات/دولة،  و ستظل المجتمعات و الشعوب ترفع شكواها و مطالبها لسلطات دولها…لأن الدولة وحدها، كجامع وطني،  بإمكانها إيجاد الأجوبة الناجعة  للأسئلة المطروحة باعتبار ما تتوفر عليه من سلطات و صلاحيات و وسائل.  إن الدولة القوية  العادلة و حدها  القادرة على تحقيق المجتمع المتضامن ، المزدهر و المتقدم ، و الوطن الموحد ،المستقر و الآمن. إن التجربة المريرة و القاسية التي مرت و تمر منها بعض اقطارنا تجعلنا ننبه إلى المآسي التي تنتج عن تفكك بنيان الدولة.

إخواني، أخواتي ،

و نحن نلتقي في طنجة، التي تستحق لقب عاصمة العمل المدني بشمال إفريقيا لارتباطها بلحظة التأسيس لانطلاق العمل المشترك المنظم بين الأحزاب الديمقراطية في شمال إفريقيا، و لو أن الأمر اقتصر على ثلاثة أحزاب من الجزائر و تونس و المغرب….و يحق لنا الاعتزاز اليوم بتوسع الفضاء الجغرافي و توسع رقعة المشاركة ، فإن واجبنا الأدبي و الأخلاقي اتجاه تاريخنا  يحتم علينا أن نعيد استلهام الروح الوحدوية لتلك البذرة الأم،  و نفسه  واجبنا الأدبي و الأخلاقي و السياسي اتجاه شعوبنا و بلداننا  يحتم علينا الانخراط في روح عصرنا، بكل ثوراتها العلمية و الرقمية و تحولاتها القيمية و الجيوسياسية  ، بروح و هوية ديمقراطية، اجتماعية حداثية،  و بأساليب و أشكال تأطير و تأثير متجددة.

إخواني، أخواتي 

لقد كان المغرب على لسان جلالة الملك مجمد السادس واضحا و صادقا و هو يدعو الأشقاء في الجمهورية الجزائرية إلى حوار أخوي مباشر بدون وساطات، ينتصر للمشترك التاريخي، و يصطف إلى جوار المنفعة الجماعية و المتبادلة التي ستجنيها بلداننا و شعوبنا من تعاونها و تكاملها و تضامنها .

إنه لا حاجة للتذكير بأن المنطقة المغاربية و الشمال إفريقية عموما في حال اندماجها ستصبح أول اقتصاد في القارة الإفريقية،و أول قوة ديمغرافية و عسكرية،  سيكون لها التأثير الكبير في الفضاء الأرومتوسطي و في علاقات جنوب_جنوب ، و في المنتظم الدولي عموما ،و لا حاجة للقول بأن استمرار إغلاق الحدود يضيع نقط مهمة في سلم النمو،  و يبدد فرصا هائلة للتقدم الجماعي،  و لا حاجة لتكرار القول بأن عالم اليوم هو للتكتلات  و التجمعات و للربح المشترك، و لا حاجة لإعادة التأكيد على أن شعوبنا و بلداننا و دولنا لا زالت، رغم مرور ما يفوق النصف قرن على “استقلالها”، بحاجة ماسة لأن تتكامل و تندمج ممكناتها البشرية و الجغرافية و الثقافية و الاقتصادية و التقنية لإنتاج سياسات عمومية أخرى تحقق الرفاه و الازدهار و التحرر و الكرامة و الديمقراطية التي تستحقها شعوبنا..

لاحاجة للتذكير بذلك، مادام الواقع ،في بعده الاجتماعي على الأقل، يقول بأن منطقة بمثل المؤهلات التي تزخر بها أرض و سماء و ماء بلداننا كان بإمكان أوضاع  شعوبها أن تكون أفضل .

إن الألم  يعتصرنا، و نحن نطلع على تقييمات و تقديرات المؤسسات و الهيئات المالية و السياسية الدولية بخصوص  منسوب و مفعول الاندماج بين البلدان المغاربية في غير ما مناسبة، دعوني أذكر آخرها و هو  دراسة أجراها البنك الدولي مؤخرا تحت عنوان “الإندماج الاقتصادي في المغرب العربي مصدر للنمو لم يستغل بعد ” و خلصت إلى أن “منطقة المغرب العربي لا تزال الأقل اندماجا على مستوى العالم، حيث تبلغ تجارتها البينية أقل من 5% من التجارة الكلية بين بلدان المغرب العربي،  و هي نسبة أقل بكثير من المستوى المسجل في كل التكلات التجارية الأخرى حول العالم “.

إننا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إذ نجدد نداءنا التاريخي الذي أطلقناه  من مدينة وجدة يوم 7 دجنبر 2018  لإخواننا الجزائريين، نأمل أن يشتغل إطارنا  المدني هذا على موضوعة  التعبئة و التبادل الثقافي و الاجتماعي و الترافع السياسي و المؤسساتي لتقريب وجهات النظر و حلحلة الأوضاع  خدمة للمصالح الحيوية المشتركة لشعوبنا و بلداننا. 

إخواني، أخواتي 

إنه بقدر وعينا بأن تحولات العالم الجارية( المد اليميني و اليميني المتطرف،  الصعود الشعبوي،  الخطاب الهوياتي المنغلق،  العنف كمعطى مركزي لفض النزاعات،  التوحش الليبرالي اقتصاديا، الثورة الرقمية و تغير وسائل الاتصال و التأثير و التأطير …) قد حدت و تحد من من الجاذبية الإنتخابية لرسالتنا الديمقراطية الاجتماعية و التنويرية التحديثية، فإن حاجة الكون إلى روح تحميه من أن يتحول إلى آلة باردة لطحن الضعفاء ، و حاجة الإنسانية إلى مجتمع متوازن و منصف و مستدام…تجعل من رسالتنا الإنسانية و الكونية ضرورة للبشرية،  ضرورة لتعميم و توطين فضلى القيم و المثل و المبادئ و اجتثاث الضار منها. إننا مدعوون كما فعل الآباء المؤسسون إلى أن نكتب نصيبنا من صفحات دفتر الحضارة بمزيد من النضال و التضحيات و الإبداع و الإبتكار و الصبر و المثابرة…و ما ذلك على أحزابنا الوطنية الديمقراطية بعزيز و ما ذلك على شعوبنا بعزيز.  شكرا لكم على حسن إصغائكم ، و متمنياتي الصادقة بمقام طيب لضيوف المغرب الكبار،  و بالتوفيق و النجاح لتظاهرتنا المهمة هذه.


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.