معنى ان تخيط فمك..

العرائش نيوز:

سليمان الريسوني

ما معنى أن تخيط فمك؟ هل لكي توقف لسانك عن الكلام، وتحرم بطنك من الطعام؟ يمكن فعل ذلك دون إبرة وخيط ودون دم وألم.. وقد فعلها الكثيرون، حتى الموت أحيانا، داخل السجون وفي قلب المعتصمات.

فما معنى أن تخيط فمك، إذن؟ معناه أن تعاقب ذلك الفم الذي تغنَّى بالحرية والعدالة والكرامة، دون أن ينتبه إلى أنه «ليس من حق العصافير الغناء فوق سرير النائمين»، بتعبير محمود درويش.

وقبل أن يخيط ناصر الزفزافي ورفيقه محمد الحاكي فميهما، بأيام، تعهد الصحافي حميد المهدوي، أمام المحكمة، بأن يُحرِّم على فمه الكلام وعلى يده الكتابة، إن جرى الإفراج عنه.

ما قيمة صحافي لا يتحدث ولا يكتب؟ فـ«اليد التي لا تكتب رِجْلٌ»، كما قال الأمير الحكيم، مُعن بن زائدة، و«لِسَانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُؤَادُهُ.. فَلَمْ يَبْقَ إَلا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ» حسب زهير بن أبي سلمى.

لكن، قبل أن نردد هذا الكلام المأثور، يجب أن نتساءل وبعمق: ما معنى أن يختار المرء أن يكون صحافيا أو فاعلا حقوقيا أو ناشطا في حراك شعبي، وأن يسمي الأشياء بمسمياتها، وبحرية، وهو يعرف سلفا أن تلك الحرية مجرد طُعم سيجره إلى شباك فقدان الحرية؟

من حق قراء هذا الصحافي ومؤيدي ذلك الناشط أن يتساءلوا: أي عبث، ما بعده عبث، أن نحمل، اليوم، ملفا مطلبيا، اجتماعيا واقتصاديا وحقوقيا وثقافيا، ونمشي خلف ناصر الزفزافي ورفاقه، أو نطرق لأجله باب مكتب جريدة حميد المهدوي، إذا كنا متأكدين من أننا سنحمل، غدا، ملفا وحيدا: هو المطالبة بإطلاق سراحهما وأمثالهما؟

من حق الصحافي والناشط أن يتساءلا، بدورهما، بارتياب: لماذا نكتب أو نحتج لإطلاق الحريات والحقوق إذا كنا لن نتمكن من إطلاقها، بل إذا كنا سنتخلى حتى عن المطالبة بإطلاقها، وسنطالب فقط بإطلاق سراحنا، مع التعهد بأننا سنعود إلى ما قبل الوضع النقدي أو الاحتجاجي، نأكل الخبز ونمشي بحذر في الأسواق، نحملق ونحوقل في دواخلنا، ومع ذلك لا يستجاب لطلبنا ولا يُطلق سراحنا؟

إن اليأس الذي انتاب الزفزافي ورفيقه الحاكي، ودفعهما إلى خياطة فميهما، هو اليأس نفسه الذي أوصل علي أنوزلا إلى الاقتناع باستحالة الجمع بين الحرية وحرية التعبير، وهو اليأس الذي دفع المهدوي إلى أن يعرض مقايضة حريته بالصمت، وهو اليأس الذي تسلل إلى زنزانة توفيق بوعشرين، وجعله يقول في تدوينة مؤلمة: «أصعب شيء يعذب السجين هو إحساسه بأن تضحياته تذهب سدى، ويبدأ صوت داخلي يقول له في ما يشبه التيئيس: لا يمكنك أن تساعد شعبا لا يرغب في مساعدة نفسه».

ولعل ما مارسه ناصر الزفزافي ومحمد الحاكي من عنف ممجوج على جسديهما، هو، أيضا، تعبير عن غبن كبير لحق بهما من عملية نصب تعرضا لها، هما وباقي رفاقهما المعتقلين، من لدن شخصيات معروفة بالجمع بين الخطاب التقدمي والأكل من أطباق سلطة محافظة.

شخصيات فتحت لها أبواب السجون، فقابلت المعتقلين، وقدمت لهم وعودا وردية بإمكانية حدوث انفراج في قضيتهم، إن هم أبدوا مرونة في المواقف، وإن هم تخلوا عن محامين بعينهم… وقد تفاعل أغلب المعتقلين، بحماس، مع ما همست به تلك الشخصيات في آذانهم، ومن ذلك، أن ناصر الزفزافي عاد إلى موقفه، المليء بالخلط والجحود، في تصنيف كل الأحزاب، بما في ذلك الجادة والمناضلة، في خندق «الدكاكين»، وفي الوقت نفسه، التنويه بالجهات التي كان يرى أن حل الملف بيدها.

وقد يتبين، في النهاية، أن كثيرين من أولئك الزوار كانوا مجرد «شناقة» يشتغلون للجهة التي سخرتهم، وأنهم احتالوا على المعتقلين وعائلاتهم في وقت كانت التخوفات من امتداد حراك الريف، بعد وفاة عماد العتابي ووالد المرتضى إعمراشا، لاتزال قائمة، لكن، ما إن انجلى الخطر من شوارع الريف، حتى انجلوا بدورهم من أبواب سجن عكاشة.

لقد سبق لمحمد النشناش، الرئيس السابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وهو أحد الذين كانوا يترددون على معتقلي حراك الريف في سجن عكاشة، أن اعترف بأن العديد من أولئك «الشناقة» يسعون فقط إلى الركوب على قضية معتقلي الحراك.

ما قام به ناصر الزفزافي ورفيقه محمد الحاكي سبقهما إليه، في السنوات الأخيرة، أغلب الصحافيين، وكثير من السياسيين والحقوقيين، الذين غرزوا في أفواههم إبرة الرقابة الذاتية وخيط الخوف، ورفعوا شعار: كم من حاجة قضيناها بتركها، والصمت عن قولها.


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.