حديث في تركيا المريضة

العرائش نيوز:

بقلم : سعيد زريوح.

بمعدل نمو سنوي فاق 7% تمكنت تركيا من جذب استثمارات أجنبية كبيرة؛ تحسنت الأوضاع المادية للأتراك فأصبحوا ينفقون ويستهلكون كثيرا ويراكمون الديون بسبب ثقتهم في المستقبل. وككل الدول التي سبقتها إلى هذه التجربة، بدأت تركيا تراكم عجزا في ميزان الأداءات وتلجأ للسوق المالية الدولية لتمويل هذا العجز وضخ السيولة الضرورية في شرايين اقتصادها….

صعود اليمين القومي المتطرف في أمريكا الذي يبيع سلعة إعادة بناء المجد الاقتصادي لدولة “العم سام” الذي تراجع كثيرا أساسا بفعل انطلاق قطار الصين، جعل العالم يدخل في حرب اقتصادية وتجارية تهاوت معها كل القيم التي كانت تغلف بها أمريكا هيمنتها على العالم…حرب اقتصادية وتجارية تمددت لتصل نيرانها أرض الأناضول .

في هذا السياق وبعدما صوب دونالد ترامب رصاصه في كل الاتجاهات، قام بمهاجمة تركيا وفرض عليها عقوبات تجارية بسبب قس أمريكي يقضي آخر أيامه بسجن إسطنبول رفض الإمباروطور القوي أردوغان العفو عليه!!! وعلى عكس ألمانيا والصين وكندا…..وصلت بلاد أتاتورك بشكل سريع ومخيف إلى حافة ” sudden stop” أو “l’arrêt brutal” أو “السكتة القلبية”.

ففي وقت قياسي انهارت الليرة التركية لأن المستقبل أصبح ضبابيا والمستثمرون يفضلون استبدالها بالعملات الأجنبية ويفكرون بالرحيل. ولأن على تركيا الوفاء بإلتزاماتها المالية، فعلى بنوكها تسديد ديونها وعلى الحكومة التركية توفير السيولة اللازمة لذلك حتى لا ينهار تماما نظامها الاقتصادي والمالي…

وبالتجربة فبقية القصة معروفة ولا تحتاج إلى الكثير من التحليل والمعرفة بعلم الاقتصاد. فالشعب التركي سيعرف نزولا حادا في دخله بفعل تراجع الإستثمار والسياسة التقشفية التي ستنهجها بالضرورة حكومته وستعبر تركيا برمتها الصحراء لفترة غير وجيزة كما عبرتها من قبلها المكسيك واليونان وماليزيا….قبل سنوات مضت.

هل سيجنب أردوغان بلده هذا السناريو المرعب بالخضوع لنزوات وشروط ترامب أو التوجه رأسا للصين وروسيا وبناء تحالفات جديدة؟؟؟ الجواب ليسا مهما بقدر الدرس الذي يجب استخلاصه مرة أخرى من هذه التجربة. فطالما ليس لك نظام اقتصادي قوي عماده المعرفة والعلم وقوته نسيج صناعي حديث وخلفيته طلب داخلي صلب…فلن يكون بمقدورك اللعب في نادي الكبار ومواجهة سياساته التي لا تؤمن سوى بلغة المصلحة والقوة.

وأما كل ذلك الحديث عن “اقتصاد إسلامي” يجب أن يصبح قدوة لنا وعلينا أن نفتح أسواقنا في وجهه حتى يصمد في وجه مؤامرات “الكفار واليهود والنصارى” فما هو سوى حديث في الخرافة وليس العلم الذي يفرض علينا الاعتراف بأن تركيا لم تكن يوما قوة اقتصادية تملك قرارها وسيادتها ولم تكن إلا الوجه الآخر لنظام رأسمالي إمبريالي كما قال الفقيد سمير أمين.

يبقى علينا في الأخير أن نهمس في أذن حكامنا لنذكرهم بأن نموذجهم التنموي الذي يقوم على بيع المغرب للمستثمرين الأجانب بأرخص الأثمان لم يقنعنا يوما ولم نجني منه حتى ما جناه الأتراك رغم ما يمرون به من أزمة، وأننا لسنا بمنأى عن ما يقع بتركيا؛ فالعالم أصبح منذ زمن بعيد قرية صغيرة.


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.