العرائش نيوز:

هسبريس – عبد الواحد استيتو (صور: سفيان فاسيكي)

ينحني أحد المجانين ليلتقط شيئا من الأرض وهو يتجوّل بــ”بلاصا إسبانيا” بالعرائش، مواصلاً حواراً مفترضا بدأه مع لا أحد بكل جدّية وبغير قليل من الغضب.

يتعايش العرايشيّون مع مجانين المدينة بكثير من الإنسانية والاحتواء، بينما يعتقد “البشير”، أحد شباب المدينة، أن هذا العدد من المجانين جيء بالكثير منه من خارج مدينة العرائش وتم “إنزاله” هنا ذات ليل.

في “بلاصا إسبانيا”، “ساحة إسبانيا” المُحاطة بالمقاهي، يمكنك أن ترتشف كأس شاي صباحاً وتشاهد مدينة العرائش وهي تتمطّى في كسلٍ معلنة استيقاظها المتأخر الذي لا ينكر أهل المدينة أنه إحدى عاداتهم التي يبدو أن للمناخ وللبحر يدٌ طولى فيها.

يخبرنا مُرافقنا البشير بأن ساحة إسبانيا شهدت تغييرا عمرانيا أربع مرات في العقود الأخيرة، وفي كل مرة كان يتضح أن التغيير غير ملائم فيتم تعويضه بآخر، وهكذا…

لدى ساكنة العرائش قدرة كبيرة على التعايش مع الأجنبي، فالمدينة ما زالت تحتفظ بأسماء آثار ومنازل كانت لهذا اليهودي أو لذاك النصراني، بل إن بعض الصداقات بين العرايشيين ما زالت مستمرة مع الأجانب بعد أن وُرثتْ أبا عن جد.

وعن سرّ هجرة أغلب شباب العرائش إلى إنجلترا خصوصا، يقول البشير إن الأمر يعود إلى أحد أبناء المدينة الذي كان يعيش هناك، قبل أن يطلب منه مقاول إحضار عشرات العمّال للاشتغال معه، فما كان منه إلا أن أحضر أبناء مدينته؛ ومن هناك بدأت الحكاية.

دروب المدينة القديمة تخبرك بقصص وحكايات لا تنتهي. يخبرنا البشير بأن أحد البيوت، مكون من ثلاثة طوابق، كان أفضل مثال على التعايش في المدينة؛ ففي الطابق السفلي كان يعيش يهودي، وفي الطابق الذي فوقه مباشرة يقيم نصراني، وفي الطابق الثالث كان يقيم مسلم، بينما لكل طابق تصميمه العمراني الخاص المناسب لديانة صاحبه.

بساطة محلات البقالة ترغمك على التوقف طويلا أمامها مسترجعا ذكريات عقود مضت، قبل أن تغزو المحلات التجارية الكبرى المدن وتلتهمَ معها هذه البساطة وهذا الألق العتيق، الذي يشهد عليه بقّالٌ في المدينة القديمة لا يكترث حتى باستعمال الكهرباء!

مآثر مدينة العرائش وبيوتها العتيقة تستحق أن تُفرد لها كتب ومجلدات وليس بضع مقالات هنا وهناك، لكنها لا تأخذ نصيبها المستحقّ من الاهتمام، لا من ناحية الترويج ولا من جهة الصيانة.

رائحة البحر التي تداعب أنفك وأنت تتجوّل بشوارع “مدينة السردين”، تغريك بأن تتوجه صوب أقرب مطعم لتناول قضبان مشوية من هذا النوع من السمك الذي يتوفر بكثرة في أسواق المدينة الشعبية

ٓلا تتركك مدينة العرائش إلا وقد خلّفت فوضى لا بأس بها في مشاعرك وروحك، داعيةً إيّاك إلى زيارة أخرى لن تجد بدّا من الاستجابة لها.


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.