لماذا احتل المغرب الرتبة الأولى عالميا في انعدام الأمانة ؟

العرائش نيوز:
احمد عصيد
نشرت مجلة Nature نتائج دراسة قامت بها جامعة نوتنغهام حول مؤشر انعدام النزاهة والأمانة في 159 بلدا من بلدان العالم، نتائج الدراسة تقول إن المغرب يحتل الرتبة الأولى عالميا في انعدام الأمانة بجانب تانزانيا، أي أن المغرب دولة وشعبا هما الأولان في العالم اللذان لا يمكن أن تثق فيهما.
عندما طرحت موضوع القيم في الإعلام المغربي قبل سنوات، أشرت إلى أن التربية التي يتلقاها المغاربة سواء في البيت أو المدرسة، تجعل منهم شعبا منافقا بامتياز، يلجا إلى أساليب كثيرة غير شريفة لتبرير العديد من السلوكات والممارسات المتخلفة، ما جلب عليّ الكثير من السباب والشتائم والعنف اللفظي، وها هي اليوم دراسة دولية تؤكد أننا شعب يعاني فعلا من مشاكل لا حصر لها في الجانب القيمي.
أمر خطير بهذه الفداحة لم يحرك مشاعر الحكومة ولا المجتمع، حيث ظلا معا غير مكترثين، ماذا لو حدث هذا في أي بلد يحترم نفسه ؟ كان أول ما سيتم عمله دون شك هو الإسراع بفتح نقاش عمومي شفاف وشجاع حول أسباب الظاهرة ، والقيام بحملة تحسيسية في المدارس خاصة في الابتدائي والإعدادي لتأطير النشء في أهمية احترام القانون وأخلاق التعامل، وتغيير المقررات الدراسية لتتضمن التركيز على قيم النزاهة والأمانة والصدق عوض الخرافات والأساطير التي تلقن للتلاميذ ليل نهار في غياب قيم المواطنة والفضيلة الحق.
ما هي الأسباب الكامنة وراء هذه الوضعية التي لا يمكن السكوت عنها ؟ أقترح فيما يلي التفكير في عناصر التحليل التي تتضمنها الأسباب التالية:
1) التركيز في التربية على مظاهر التدين والعقائد الغيبية عوض الأخلاق الإنسانية النبيلة والعملية، فليس صدفة أن أول مجال يظهر فيه الغش وانعدام الأمانة وعدم احترام القانون لدى المغاربة هو المدرسة، حيث أصبح الغش في الامتحانات حقا مكتسبا لدى التلاميذ، لدرجة استعدادهم للقيام بأعمال عنيفة ضدّ كلّ من يحاول ثنيهم عن الغش أو مراقبتهم خلال الامتحان. وتتزايد مظاهر الغش مع تزايد مظاهر التدين الفولكلوري في اللباس والخطاب اليومي السطحي.
يعني هذا وجود حاجة ماسة لدرس “الأخلاق” الذي يُعلم قيم الفضيلة للنشء منذ نعومة أظفارهم، وهو الدرس الغائب في المدرسة المغربية، حيث يعتقد المربون أن درس التربية الدينية يقوم بهذا الدور، إذ يخلطون بين الأخلاق والدين، وهو أمر مخالف تماما للواقع، ولحاجات المدرسة العصرية.
2) انعدام الحرية التي ينتج عنها استقلال الفرد في اختياراته، وشعوره بالمسؤولية عن أفعاله وأقواله، ما يجعله أكثر صدقا مع ذاته ومع الآخرين، فكلما كان الفرد المواطن أكثر حرية كلما كان أكثر صدقا، حيث يقول ما يفكر فيه وما يفعل، بينما عكس ذلك تماما، يشيع النفاق والخداع ـ بسبب الخوف ـ في المجتمعات التي تقمع الحريات وتلغي الفرد وتعمل على تذويبه في نمط العلاقات التقليدية السائدة، التي تعيش تناقضا وصراعا يوميا بين ما يؤمن به الأفراد ومما يعيشونه فعليا.
3) انتشار الفقر والحاجة، وشعور المواطنين في المدن الكبرى والأوساط الحضرية وأحزمة الفقر على الخصوص بالتهميش وبتخلي الدولة عنهم، ما يضطرهم إلى التعويل على أنفسهم في تدبير أوضاعهم المتأزمة، باللجوء إلى أساليب مراوغة تكثر فيها طرق الخداع والنصب والاحتيال والرشوة والزبونية إلخ..
4) فساد المؤسسات والمسؤولين الذين ينبغي أن يمثلوا النموذج والقدوة، وعلى ذكر هذه النقطة بالذات، ينبغي التذكير بإحدى المؤشرات العالمية التي كانت نتيجتها سلبية جدا بالنسبة للمغرب، حيث تبين في مؤشر الرشوة والفساد أن القطاعات الأكثر فسادا في المغرب هي القضاء والأمن،  فكيف سيكون حال البلد الذي يعتبر فيه هذان القطاعان الحيويان والخطيران الأكثر فسادا ؟
5) انعدام المحاسبة التي أدت إلى ظهور الفساد كمثال للترقي الاجتماعي السهل والسريع، حيث رغم أن المغرب أقرّ في دستوره سنة 2011 ربط المسؤولية بالمحاسبة، إلا أن تفعيل ذلك لم يتم كما هو الشأن بالنسبة للمكتسبات الدستورية الأخرى.
6) وجود أزمة كبرى في معنى الوطنية والانتماء ، حيث يشعر المواطنون المغاربة بأن جهودهم العملية تذهب لصالح فئة صغيرة مستفيدة، عوض أن تذهب إلى الصالح العام، وهو ما يزحزح ثقة المواطنين في المؤسسات والدولة،  يخلق لديهم ميولا أنانية مفرطة، تجعلهم ينكبون على خدمة أغراضهم الخاصة،  معتمدين للتغطية على ذلك كل الأساليب المراوغة.
هل نحن بحاجة فعلا إلى أن ينبهنا الأجانب إلى مشاكلنا الحقيقية ؟ أليس من أسباب تفاقم الأزمات عدم إصغائنا إلى بعضنا البعض، وعدم إعطاء الأهمية المطلوبة للفكر النقدي، وتفضيل صرف النظر عن الأعطاب المستقرة في أعماقنا ؟
من المؤكد أن الشعب والدولة اللذان لا يروق لهما النظر إلى وجهيهما في المرآة، سيظلان غارقين في غيابات التخلف، والسبب في ذلك أنّ الكثير من الأسباب الحقيقة لمشاكلنا تعتبر عند الدولة وعامة الناس “ثوابت” و”قيما أصيلة” و”تقاليد عريقة” متوارثة، سواء في السياسة، أو في الاقتصاد أو المجتمع والأخلاق.

شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.