من بلد عبور إلى محطة نجاح.. كيف تفوق المغرب في دمج أبناء المهاجرين الأفارقة بمدارسه؟

العرائش نيوز:

يتجاذب الكونغولي ريغن نيكوما أطراف الحديث مع زملائه وسط البهو الفسيح لمدرسة أبي هريرة الإعدادية في الرباط.. تلمع عيناه عندما يدق الجرس، فيهرع إلى الفصل لبدء حصة دراسية جديدة.

بعد سنتين من تسجيله في المدرسة، استطاع الفتى ريغن (14 عاما) تكوين صداقات ساعدته على الاندماج في النظام التعليمي المغربي وتجاوز صعوبات شتى، وفق ما رواه للجزيرة نت.

يفتح ريغن ذاكرته ويحكي شذرات عن رحلة طويلة خاضها رفقة أمه وشقيقه قبل 11 عاما. يقول إنهم شدوا الرحال من الكونغو الديمقراطية نحو ساحل العاج وصولا إلى المغرب، أملا في العثور على فرصة عمل.

وبسبب وضعية الأسرة غير القانونية، اضطر ريغن خلال طفولته للانضمام إلى إحدى الجمعيات التي تعنى بالمهاجرين من أجل الدراسة، لكنه كان في كل مرة ينقطع عن الدروس بسبب ظروفه الاجتماعية الصعبة.

غير أن كل شيء تغير في حياة أسرة نيكوما، بعدما ما أطلق المغرب إستراتيجية لتسوية وضعية المهاجرين عام 2013، وصار ريغن واحدا من بين أكثر من 50 ألف مهاجر ولاجئ حصلوا على إقامة قانونية، حسب الأرقام الرسمية.

ريغن رفقة مسؤول إداري في المدرسة يتحدثان عن كيفية تجاوز عقبة اللغة في التعليم (الجزيرة)

تسوية فبقاء

انتظم ريغن في حضور دروس دعم تشرف عليها جمعية “باب الخير” للأطفال قبل ثلاث سنوات، وفيها حظي بمتابعة نفسية واجتماعية إلى أن نجح في التسجيل المجاني بمدرسة حكومي العام الماضي.

وبابتسامة باهتة عجزت عن إخفاء الحزن الثاوي خلف عينيه، يقول ريغن إن يُتمه بعد وفاة والدته إثر معاناة مع المرض؛ منحه القوة للمضي في مشوار تعليمه.

واعتبر التحاقه بالدراسة فرصة جعلته يضع قرار الهجرة إلى أوروبا جانبا ويتمسك بالاستقرار في المغرب، قائلا للجزيرة نت “وضعيتي قانونية، وأتلقى تعليما جيدا، ولي أصدقاء، ووالدتي دفنت هنا، لذلك أريد البقاء”.

التلاميذ الأجانب كوّنوا صداقات مع زملائهم المغاربة ساعدتهم على الاندماج في النظام التعليمي (الجزيرة)

وحسب معطيات وزارة التعليم، تم تسجيل 7377 تلميذا وتلميذة من المهاجرين في التعليم النظامي بمختلف المستويات في مؤسسات التعليم الحكومي والخاص خلال موسم 2017-2018.

وحظيت سياسة الرباط لإدماج الأطفال المهاجرين في النظام التعليمي بتنويه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة، اللتين اعتبرتا المغرب “مثالا يُحتذى به” في هذا المجال.

كفاح متواصل

ويبدو أن حظ دافينا مبابي بوتو وزميلتها بغنيس إسيليا كالوند كان مختلفا عن ريغن، فهاتان الفتاتان الكونغوليتان التحقتا بالمدرسة في المرحلة الابتدائية وقطعتا أشواطا مهمة في التعليم.

بغنيس التحقت بالتعليم الحكومي خلال المرحلة الابتدائية واستطاعت نسبيا تجاوز عائق اللغة (الجزيرة)

أمام السبورة السوداء تحمل دافينا قطعة طبشور بيدها وتكتب “محمد دخل إلى القسم” بخط عربي واضح، وتتفاعل مع أسئلة معلمتها في درس اللغة العربية حول أنواع الكلمة.

دافينا -التي تقيم مع والدتها بحي شعبي في الرباط- تتحدث العامية المغربية بطلاقة، لكنها رغم سنوات الدراسة ما زالت تكافح من أجل إتقان اللغة العربية، وفق ما قالته للجزيرة نت.

وقبل تسجيلهم المجاني بالمدرسة، يستفيد هؤلاء المهاجرون من دروس غير نظامية تشرف عليها جمعيات بموجب شراكات مع وزارة التربية الوطنية.

منذ قرار المغرب تسوية وضعية المهاجرين، التحق آلاف التلاميذ المنحدرين من أفريقيا جنوب الصحراء بالمدارس الحكومية (الجزيرة)

واستفاد 382 تلميذا وتلميذة العام الماضي من برامج التربية غير النظامية التي تسعى إلى توفير الفرصة الثانية لاستدراك تربية وتكوين الأطفال واليافعين ممن لم يسفعهم الحظ في الالتحاق بمقاعد الدراسة، من أجل إعادة إدماجهم في مسارات التعليم النظامي والتكوين المهني والحياة العملية.

صعوبات وآمال

جمعية “باب الخير” للأطفال واحدة من الجمعيات التي تشرف على إعداد أبناء المهاجرين لخوض امتحانات الالتحاق بالمدرسة. وبحسب رئيستها لطيفة رمضاني، لا يتوقف عمل الجمعية على تقديم الدروس، بل تعمل على إقناع الأسر المنحدرة من أفريقيا جنوب الصحراء للسماح لأبنائها بالتسجيل في النظام التعليمي.

التلاميذ المنحدرون من أفريقيا يكافحون للاندماج في النظام التعليمي بسبب اختلاف الثقافة واللغة والدين (الجزيرة)

ولا تعطي الأسر المهاجرة أهمية لتعليم أبنائها في المغرب، بل تجعل أولويتها العمل من أجل كسب قوت اليوم والادخار للعبور إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، حسب لطيفة التي تضيف “نقنع الأسر بأن تعليم الأبناء سيكون إيجابيا لمستقبلهم، سواء قرروا الاستقرار في المغرب أو العبور إلى أوروبا”.

وبينما ترفض بعض الأسر إلحاق أبنائها بسبب نظرتها للتعليم، تنتاب أسرًا أخرى مخاوف تتعلق بصعوبة لغة التدريس، فبعض الأسر -كما عاينت لطيفة- تعتبر العربية لغة صعبة، وتعتقد أخرى أن تعلمها يعني دخول الإسلام، لذلك “نعقد لقاءات مع الأسر لتبديد مخاوفها، وكثيرا ما تجدي هذه اللقاءات نفعا”.

مدرسة أبي هريرة الإعدادية في الرباط تضم تسعة تلاميذ من أصول أفريقية (الجزيرة)

ويؤكد المسؤول الإداري بمدرسة أبي هريرة الصعوبات المرتبطة بتعلم اللغة العربية التي يدرس بها ثمانية تلاميذ كونغوليين وآخر من ساحل العاج.

ويقول مصطفى البوكري إن التلاميذ الأجانب يواجهون في البداية صعوبات في استيعاب المواد وفهمها، لكن هذه الصعوبات تتلاشى بفضل مجهودات الكوادر التعليمية، وإصرار هؤلاء التلاميذ على تحسين مستواهم في اللغة العربية بحضورهم المكثف لدروس الدعم والتقوية.

ورغم كل الصعوبات، يبقى ريغن ودافينا وبغنيس أبطالا لقصص نجاح أبناء المهاجرين المنحدرين من أفريقيا جنوب الصحراء، إذ تلقفوا فرصة فتح المدرسة الحكومية في وجوههم، فاستطاعوا -رغم اختلاف الثقافة واللغة والدين- الاندماج في النظام التعليمي المغربي، ووضعوا أقدامهم على سلم النجاح.

المصدر : الجزيرة


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.