الأندلس. “Vox”. ونحن..

العرائش نيوز:

عام 1989 حضرت في رحاب مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة، ندوة حول العلاقات التاريخية بين المغرب وإسبانيا. كنت قد تخرجت للتو من تلك المدرسة. وكنت حديث العهد بحضور ندوات علمية متخصصة. وبينما أنا جالس في قاعة الندوات، وكانت مكتظة عن آخرها، أستمع لمؤرخ إسباني وقور، بلغ من العمر عتيا، يتحدث عن تميز العلاقات بين الرباط ومدريد، وكيف تطورت عبر الأزمنة؛ سمعت صوت تثاؤب خافت وحشرجة مكتومة، قادما من على يساري. التفت، لأجد أحدهم وقد استفاق من قيلولة باغتته أثناء محاضرة المؤرخ الإسباني الوقور. ابتسم الرجل في وجهي وهمهم بكلمات اعتذار غير مفهومة، قبل أن يسألني إن كنت أتحدث الإنجليزية. أجبته، بفخر الشباب وغروره: نعم، أنا مترجم… ابتسم من جديد وقدم لي نفسه. لم أعد أذكر اسمه. لكنني أتذكر جيدا أنه كان بريطانيا من اسكتلندا، وأستاذا للتاريخ في جامعة سنغافورة، وكان من بين المدعوين لتلك الندوة نظرا لتخصصه في تاريخ حوض البحر الأبيض المتوسط… كما أتذكر جيدا عندما قال لي: “لا أفهم كيف يتحدث مؤرخ وقور عن علاقة تاريخية مميزة بين بلدين وقعت بينهما، على الأقل، حرب واحدة كل مائة سنة على مدى قرون وقرون من الزمن”…
تذكرت كل هذا وأنا أتابع في الأيام الماضية، أخبار حزب “فوكس” الإسباني الذي فاز باثني عشر مقعدا في برلمان مقاطعة الأندلس الإسبانية، والذي يستعد الحزب الشعبي الإسباني للتحالف معه من أجل الظفر بحكومة هذه المقاطعة القريبة من المغرب والمغاربة. وتساءلت: ماذا يعرف المغاربة عن أمر هذا الحزب الذي يريد تشييد سور من الإسمنت المسلح حول مدينتي سبتة ومليلية؟ حزب يجاهر بأنه سيعمل على طرد كل المهاجرين المغاربة من الأراضي الإسبانية. حزب حصل على 30 في المائة من أصوات المواطنين الإسبان في بلدة “إل-إيخيدو” التابعة لمحافظة “ألميريا”. هذه المحافظة التي اغتنى أبناؤها من زراعة الفواكه والخضروات في ضيعات بلاستكية مترامية الأطراف، تنتمي الغالبية العظمى من يدها العاملة إلى المغرب. محافظة كانت، وإلى غاية ثمانينات القرن الماضي، أرضا جرداء، قاحلة…
تابعت كل هذا في الإعلام الإسباني المرئي والمسموع، الذي يعتبر بروز حزب “فوكس” بمثابة أولى هزات زلزال سياسي سيضرب إسبانيا قبل حلول فصل الصيف القادم، عنوانه الرئيس: عودة الفكر السياسي الفرنكاوي (نسبة إلى الجنرال فرانكو) إلى واجهة المشهد السياسي الإسباني، دون قناع هذه المرة… ولماذا يلبس قناعا وقد نادى رئيس الحكومة الأسبق خوي ماريا أثنار حزبه الشعبي، علنا، إلى التحالف مع “فوكس” للحفاظ على وحدة إسبانيا (كذا..).
كل هذا الكلام وإعلام بلدي مشغول بأشياء أخرى… كروية الشكل…
أليس حريا بوسائل الإعلام المغربية، وعلى رأسها قنوات التلفزيون العمومي، أن تكون حاضرة في الأندلس تنقل، وبشكل يومي، أخبار المقاطعة؟ تلتقي بالناس، مغاربة وإسبان وغيرهم، وتسألهم عن رأيهم فيما جرى ويجري وما قد يجري؟ تشرح وتحلل السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لتصويت جزء كبير من جيراننا في الأندلس على ورثة فرانكو الجدد؟
ألا يستحق المغاربة ذلك؟ ألا يستحقون أن نخاطب عقولهم قبل أن يضطر أصحاب الحل والعقد إلى دغدغة عواطفهم، وإلى الضرب على وتر الوطنية الحساس، وإلى تنظيم ندوات متخصصة عن تاريخ مواجهة عسكرية مغربية إسبانية، ما زالت لم تحدث في القرن الواحد والعشرين؟

عن فايسبوك “عبد المنعم العمراني”


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.