العرائش والاحتلال الفرنسي للجزائر: الحلقة السادسة عشرة

العرائش نيوز:

بقلم: عزيز قنجاع

يتحفنا دائما الدكتور عثمان المنصوري بأبحاثه العميقة والرصينة وتنويع مصادره التاريخية في مقاربة اشكالات تاريخ المغرب الحديث. حيث اتجه بالتنقيب في أرشيف القنصلية البرتغالية بطنجة، وقام باعتماد وثائقها في سبر أغوار دروب تاريخ المغرب الحديث، اكتشفنا من خلالها مجموعة من الأحداث التي حاقت بالمغرب خلال بداية القرن التاسع عشر، ويهمنا من خلال هذا الكتاب الصادر تحت عنوان “المغرب البرتغال: أبحاث من الأرشيف البرتغالي” ذكر مدينة العرائش في الأزمة المغربية الفرنسية بعد احتلال الجزائر.

وقد اعتمد الدكتور المنصوري في منهج سرد الأحداث على تتبع تواريخ المراسلات الصادرة عن القنصلية العامة من طنجة، وسنحاول في هذا العرض تتبع الأحداث الخاصة بالعرائش بتتبع نفس النهج، وتجدر الإشارة أن عائلة كلاصو التي وردت المراسلات في الأرشيف القنصلي البرتغالي هي عائلة برتغالية احتكرت التمثيل الدبلوماسي للبرتغال في المغرب لعقود عديدة، وكان لها دور كبير في تعزيز العلاقات بين الدولتين، وحضور في مدينة طنجة بين ممثلي البعثات الدبلوماسية الأجنبية لعقود عديدة، وقد ألف عنها الدكتور عثمان المنصوري كتابا يستعرض فيه أفراد عائلة كلاصو مبتدئا بجورج كلاصو دي سار ( Jorge Colaço De Sarre ) المزداد سنة 1640، إلى آخر فرد منها وهو مارتين أنطونيو المزداد سنة1952.

Jorge Colaço De Sarre

يبدو السؤال عن ما الذي يمكن أن يجمع مسألة احتلال الجزائر بمدينة العرائش أمر بديهي، فكيف لمدينة بعيدة عن الاشتباك الفرنسي الجزائري المغربي أن يكون لها دور في الأحداث التاريخية خلال هذه المرحلة، وهو الأمر الذي بادرنا في أول وهلة إلا أنه مع تتبع مراسلات دو كلاصو إلى حكومته بالبرتغال، تبين مجموعة من الأمور جعلت العرائش في قلب مقبض الرحى في الصراع الذي تلى احتلال الجزائر.

فنظرا للجوار الجغرافي بين البلدين وللروابط المشتركة بينهما، من دین ولغة وتاريخ، فقد كان من الطبيعي أن يتأثر المغرب بالأحداث في الجزائر خلال عملية الحصار (1827 – 1830) وبعدها. ورغم الطلبات الفرنسية للمخزن المغربي بشأن طرد الجزائريين ومنع بيع غنائمهم في ميناءي تطوان والعرائش، كان رد السلطان بالرفض، إذ اعتبر في رسالته إلى قائد تطوان أن الجزائريين ”إخوة ولا يجوز طردهم، ولكن عندما كثرت المراسلات والشكاوي من الفرنسيين حول وجوب الالتزام بمنع بيع غنائم الجزائريين، تغيرت لهجة المخزن بعض الشيء واتخذ الحذر ما أمكن، حيث حاول السلطان أن يطمئن فرنسا بأنه لن يسمح بذلك، وفي نفس الوقت أمر ممثليه بالتغاضي عن الجزائريين وتركهم يبيعون غنائمهم في سرية تامة. وقد كان من بين الغنائم التي باعها جزائريون بالعرائش أسرى فرنسيين، ففي مراسلة القنصل البرتغالي وفي رسالة من طنجة بتاريخ 26 نونبر 1831 المراسلة رقم 24 ص 458 نجده يقول : “يوم 18 من الشهر الحالي، رست بميناء طنجة بريك وغوليطة فرنسيتان، بينما ظلت سفينة أخرى بعيدة عن المرسى. وقد قدمت هذه السفن من بريست للمطالبة بترضية القنصل الفرنسي في مسألة احتلال المغرب لتلمسان، وتعيينه حاكما مغربيا هناك هو ابن العامري، الذي يقال أنه قام بمحاولات للتوغل في التراب الجزائري ضد وهران ويقال أن فرنسا تطالب أيضا ببعض الأسرى الذين أسرهم قراصنة جزائريون وسلموهم بتطوان و العرائش في شتنبر 1828”. يظهر من خلال هذه المراسلة أن المغرب بعد قبول بيعة أهل تلمسان، قام حاكم السلطان العامري بحركات عسكرية داخل التراب الجزائري مما دفع بفرنسا إلى إرسال وفادة إلى طنجة للحديث حول هذا الموضوع، لكن الأهم بالنسبة لنا هو وجود أسرى فرنسيين بالعرائش وهو ما سنقوم بتتبعه خلال هذا المقال.

ماذا كان رد السلطان؟

ففي رسالة من طنجة بتاريخ 05 دجنبر 1831 المراسلة رقم 26 ص 459، نفهم مما كتب القنصل البرتغالي عن جواب السلطان على هذه المطالب بخصوص أسرى فرنسا بالعرائش أنه بالنسبة “للأسرى الفرنسيين فإن اللذين كانوا في تطوان والعرائش، فقد سلمهم منذ ذلك الوقت لحكومة الجزائر حيث يوجدون الآن”.  تصمت المراسلات عن هذا الموضوع إلى أن نفاجأ بمراسلة بتاريخ 26 أبريل 1832 المراسلة رقم 07 “وقد وعد السلطان ربما بإنهاء الاحتلال –تلمسان يعني– وكذلك إطلاق سراح الأسرى الفرنسيين الذين وضعهم الجزائريون بموانئ العرائش وتطوان”. يتبين من خلال هذه المراسلة أن ضغوطا متنوعة مورست على المغرب لإطلاق سراح الأسرى الفرنسيين بالعرائش التي يبدو أنهم كانوا بها مما يناقض ادعاء السلطان بكونه سلّمهم للبحرية الجزائرية، بل إن الأسرى كانوا فعلا بالعرائش حيث نفهم من مراسلة أخرى بتاريخ  بتاريخ 03 غشت 1832 المراسلة رقم 13 “عاد موظف قنصلي بالأمس من العرائش، بعد إحضار الأسرى الفرنسيين بمقتضى اتفاق بين فرنسا والمغرب. وقد يذهب في نفس المهمة إلى تطوان يوم 09 من الشهر الجاري”. يظهر جليا أن العرائش كانت مركزا مهما للعمليات السياسية والعسكرية البحرية، فمع انتهاء أزمة الأسرى الفرنسيين بالعرائش، لن يتوقف دور العرائش في مسألة احتلال الجزائر، بل سيتضخم دورها بشكل ملفت، إذ ستصبح كل التحركات الفرنسية للضغط على المغرب للتخلي عن دعم المقاومة الجزائرية بقيادة الأمير عبد القادر كانت تتم من العرائش، فجل المحادثات السياسية تمت من العرائش ولا أقول جل المحادثات، بل كل المحادثات الحاسمة والفاصلة في موضوع احتلال الجزائر تمت من العرائش، كما أن الضغط العسكري الفرنسي على المغرب للتخلي عن دعم المقاومة الجزائرية كان يتم تحت مرأى الحصون البحرية لمدينة العرائش، ونجد ذلك من خلال تتبعنا لباقي المراسلات التي بعثها جورج كلاصو القنصل البرتغالي بالمغرب إلى حكومته.


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.