العرائش والاحتلال الفرنسي للجزائر: الحلقة السابعة عشرة

العرائش نيوز:

بقلم: عزيز قنجاع

ففي مراسلة من طنجة بتاريخ 18 غشت 1836 المراسلة رقم 15، وفي خضم دعم السلطان لثورة الأمير عبد القادر وتشبث المغاربة بدعمه، وفي مراسلات القنصل جورج كلاصو البرتغالي إلى بلده يقول في هذه الرسالة “وصلت أوامر السلطان بتسليح سفنه العسكرية الموجودة بنهر العرائش وكذلك اللانشات الخمس التي صنعت منذ سنوات في ميناء طنجة”. لقد كان السلطان على علم أن ضربة قوية للمغرب من قبل فرنسا لن تأتي من أي مكان آخر غير العرائش بحكم موقعها الجغرافي المفتوح على فاس مباشرة، وهي تجربة عرفها المغرب بعد المعركة البحرية التي تكبد فبها الفرنسيون خسارات مهمة بعد تجرئهم على اقتحام نهر اللوكوس سنة 1765. ففي رسالة من ريموند كلاصو إلى دوق ترسييرا من طنجة بتاريخ 18 يونيو 1842  المراسلة رقم 09 كتب القنصل يقول وهو كلام قيل بعد  نقل الأمير عبد القادر عملياته انطلاقا من التراب المغربي تقول المراسلة: “عادت السفينتان اللتان سبق أن توجهتا إلى جبل طارق إلى الظهور أمام الميناء، ثم توجهتا نحو المحيط وظلتا راسيتين أمام مدخل ميناء العرائش التي يوجد فيها حاليا الباشا حاكم طنجة.”

 في ظل هذه الأزمة الخطيرة المنذرة بحرب ضروس مع الفرنسيين يغير باشا مدينة طنجة، وهو الحاكم الفعلي لطنجة ومنطقة الغرب والعرائش والقصر الكبير مقر إقامته من طنجة إلى العرائش، وإذا كانت هذه المراسلة كتبت سنة 1842، فإنه وفي سنة 1844 ومع استمرار الأزمة المغربية الفرنسية بعد احتلال الجزائر، بقي الباشا يدير عملياته السياسية و الإدارية من العرائش مما يدلّ على أن العرائش أضحت المركز السياسي الأساسي لإدارة هذه الأزمة، وما وجود الباشا بها في نظرنا لدليل على خطورة التغاضي عسكريا عن العرائش. ففي رسالة من ريموند كلاصو إلى دوكاشترو رسالة من طنجة بتاريخ 19 أبريل  1844 المراسلة رقم 08 وفي عز الأزمة وبوادر الحرب “أرسل القنصل الفرنسي رسالة إلى السلطان، وبعد ذلك خرجت البريك الفرنسية من طنجة، سيطلب الفرنسيون من السلطان تعيين قنصل فرنسي بفاس وآخر بوجدة، ولكن السلطان استظهر عضلاته بجمع فرق الجيش والقيام بعروض عسكرية. ومؤخرا وصل إلى الباشا الموجود بالعرائش مكتوب قرئ في اجتماعات متعددة يدعو الناس الاستعداد والبقاء في حالة تأهب، وفيه آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأوامر بالدفاع والحذر”.

إذن فالقرارات السياسية كانت تأخد في الحضرة السلطانية بفاس وتجد طريقها إلى الأجرأة والفعل من خلال مكتب الباشا الموجود بالعرائش. ومع ازدياد حدة الأزمة مع فرنسا حول دعم المقاومة الجزائرية والضغط على السلطان لأجل إيقاف دعم ثورة الأمير عبد القادر، ففي مراسلة من ريموند كلاصو إلى دوكاشترو رسالة من طنجة بتاريخ 08 يوليوز  1844 المراسلة رقم 14  تتضّمن الرسالة الإنذار الفرنسي للسلطان حول دعمه لثورة الأمير عبد القادر ونقرأ في المراسلة “ينتظر الأمير جوانفيل بطنجة مع أسطوله، وبالأمس خرجت باخرة فرنسية من ميناء طنجة وبها مفتش المهندسين مكلفا من هذا الأمير بمعاينة كل نقط الشاطئ المغربي وسبر أغواره من العرائش إلى الصويرة، أما المغاربة فيقومون من جانبهم بكل الاستعدادات الدفاعية وهناك استنفار عام خلف قلقا كبيرا عند الجميع.

 “يبدو أن هذه التحركات كانت تستهدف العرائش بالضبط لإرسال رسالة إلى السلطان من خلال باشاه المقيم بالعرائش ونحن نستغرب أيّما استغراب أن يظل الباشا بالعرائش في الوقت الذي كانت طنجة تغلي فيه بالسفن الفرنسية، وهذا ما يفسر الأهمية الاستراتيجية العسكرية للعرائش في صدّ أي هجوم على المغرب والمحتمل ألاّ يكون إلّا من العرائش، ونجد هذا جليا في سياق تطور الأحداث، فبعد إرسال سفن حربية ومهندسين لاستعراض القوة تحت أعين المخزن المغربي، وبعد سبعة أيام من هذا الحادث، وفي مراسلة من ريموند كلاصو إلى دوكاشترو رسالة من طنجة بتاريخ 14 يوليوز  1844 المراسلة رقم 15 يقول فيها :”ليلة 12 من هذا الشهر خرجت من طنجة باخرة فرنسية متوجهة إلى العرائش ومعها المترجم العربي الخاص بالأمير المذكور – يعني الأمير جوانفيل – وبرفقته موثق العقود بالقنصلية الفرنسية. وقد ذهبا للتفاوض مع الباشا وعادا في نفس اليوم، ويظهر أن فرنسا تعمل كل ما في وسعها لتجنب القطيعة وتحاشي قيام حرب شرسة على الحدود بين مقاتلي فرنسا والمغرب “فكما يبدو من خلال هذه المراسلة، فإن الأزمة مع فرنسا كانت تجد طاولة الحوار فيها مبسوطة بالعرائش، بل إن الدول الأوروبية كلها ومن أجل استباق أي حرب بين فرنسا والمغرب، وما يمكن أن تستبعه من ضرب لمصالح رعاياها بالمغرب، كانت تلجأ إلى العرائش للتفاوض مع السلطات المغربية، حيث نجد مثلا قنصل نابولي الإيطالية يقوم برحلات مكوكية إلى العرائش للحديث مع الباشا هناك.

 فبعد التصعيد الخطير بين المغرب وفرنسا وقرار سحب فرنسا لرعاياها بطنجة منهم القنصل العام أيضا طلب الأمير جوانفيل من قنصل نابولي رعاية مصالح الفرنسيين بالمغرب: ونجد تحركا لقنصل نابولي على إثر ذلك لتهدئة الأوضاع وتقول الرسالة من ريموند كلاصو إلى دوكاشترو رسالة من طنجة بتاريخ 25 يوليوز  1844 المراسلة رقم 16 “خرج قنصل نابولي إلى العرائش في باخرة عسكرية دنماركية على أمل تهدئة الجو المتوتر وطمأنة الناس. وقد أخبره الباشا أن ولي العهد محمدا تلقى أمرا من أبيه بالذهاب إلى الحدود لمعاقبة المغاربة الذين يحدثون الشغب هناك، وأن السلطان مازال على السلم مع كافة الدول، وأنه أمره بأن يقوم بكل ما من شأنه أن يطمئن المسيحيين المقيمين ببلاده. “يبدو أن الضغط الدبلوماسي على المغرب في مسألة الأزمة المغربية الفرنسية كانت تتم من العرائش، فبعد رجوع قنصل نابولي من العرائش  واجتماعه بقناصل الدول الأجنبية نطلع على نتائج هذه الوفادة القنصلية كان من نتائجها ما قاله قنصل نابولي ودوّنه قنصل البرتغال في نفس الرسالة “عاد القنصل اليوم – ويعني من العرائش – وجمع كل القناصل، وأخبرهم أنه لقي الباشا في حالة ذهول ورعب حقيقيين وأنه كان لطيفا جدا إزاء مطالبه، وفيما يخص ركوب الفرنسيين وكل المسيحيين، سمح له بذلك بدون أن يلح في طلبه لكنه ذكر له مع ذلك أن تسامحه وتساهله في هذه المسالة قد يكلفه رأسه في الغالب.”


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.