العرائش نيوز:
بقلم: عزيز قنجاع
/Iحرب تطوان سنة 1860 ودور العرائش العسكري واللوجستي:
لقد شكلت اتفاقية للا مغنية التي وقعها المغرب مع فرنسا في18 مارس 1845م، بمدينة مغنية الجزائرية التي أخذت اسمها منها بعد انهزامه أمام فرنسا في معركة إيسلي سنة 14 أغسطس سنة 1844م، البداية الحقيقية للنزاع الامبريالي حول المغرب بعد أن كشفت معركة ايسلي عن بلد يعرف خللا بنيويا عميقا، فقامت على إثرها إسبانيا باحتلال الجزر الجعفرية سنة 1848.
وعند وفاة المولى عبد الرحمان بن هشام في (28 غشت 1859)، أعلنت إسبانيا الحرب على المغرب واتجهت لاحتلال تطوان في (24 أكتوبر 1859) وقد كانت هذه الحرب المسمار الأخير في نعش الدولة المغربية السلطانية، وقال عنها الناصري في كتابه الاستقصا وفي جمل بليغة دالة، بها نبرات حزن عميق: “ووقعة تطوان هذه، هي التي أزالت حجاب الهيبة عن بلاد المغرب واستطال النصارى بها وانكسر المسلمون انكسارا لم يعهد لهم مثله وكثرت الحمايات ونشأ عن ذلك ضرر كبير”.
والجذير بالذكر أن الحوليات التاريخية لا تذكر مساهمة العرائش القيّمة ولا نجد لها ذكرا في المجهود الحربي الذي بدله المغاربة لصد العدوان الإسباني على مدينة تطوان. وتغاضت الحوليات عن ذكر المساهمة النوعية للعرائش خلال هذه المعركة، إلا أننا من خلال البحث والتقصي عن دور العرائش في هذه المعركة فإننا نجد أن العرائش لعبت دورا أساسيا ومحوريا في العمل الدفاعي الذي بادر إليه المغاربة، بل إن السلطان المغربي سيدي محمد بن عبد الرحمان أشاد بالحامية العسكرية العرائشية في أكثر من مناسبة.
ففي الرسالة التي وجهها السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان إلى الحاج محمد الزبدي نائبه لمباشرة قضية تطوان مع الإسبان، قال السلطان محمد الرابع أن كتيبة العرائش مشتغلة “بصنع تخليطة لتعمير الطواكيس المذكورة وأنه ليس هناك من يحسنها ويتقن معرفة المهراس مثلها”، بل إن كتيبة العرائش تتفوّق حتى على طبجية السلطان الذين وصفهم بأنهم “مخصوصون في علم المدفع فقط ولم يبلغا مرتبة الأولين” في إشارة إلى العرائشيين،
هذا على مستوى العمل المدفعي البري اما على المستوى التمويني لحرب تطوان، وهي العملية الأساسية بل الأساسية جدا في كل حرب برية. فغياب الإمدادات أو قطع طرق التموين البحري والبري يعد مدخلا لانهيار الجيش وخسارة الحرب بشكل أكيد، فنجد على هذا المستوى أن ميناء العرائش ظل المصدر الأساسي لعمليات التموين الحربي، كما لعبت العرائش دورا أساسيا من خلال ميناءها في استقبال المؤونات العسكرية المرسلة لجبهة القتال، ناهيك عن المساهمة المادية الموصولة للعرائش في تمويل حرب تطوان. ففي رسالة للسلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان يقول فيها “هذا وقد أمرنا عامل العرائش أن يوجه لأخينا الأرضى مولاي العباس حفظه الله خمسين ألف مثقال ليصيرها في مؤونة الجيش وغيره من المجاهدين وأن قرب نفاذها يزيده مثلها إن شاء الله،”
كما أن العرائش سواء بفرقها المقاتلة أو بتأمينها لخطوط التمويل الحربي فإنها وبحكم خبرة فيلقها شاركت الموانئ الأخرى عمليات الصدّ البحري للهجوم الإسباني من الناحية الأطلسية الشمالية البحرية، فعندما تحرشت إسبانيا بأصيلا في محاولاتها لتطويق الموانئ الأطلسية ( طنجة، أصيلا، العرائش) – التي شكلت الدعامة الاستراتيجية للمقاومة المغربية بالجبهة عبر تيسير الإمدادات البرية من المؤونة التي تصل موانئها – دعمت العرائش المدفعية الزيلاشية بالكراريط وهي من المعدات الأساسية لعمل المدفعية بشكل سلس، إلا أن هذا الدور الحيوي لمدينة العرائش وفيالقها المحاربة لم يكن ليمرّ بدون ثمن، فقد قامت البوارج الإسبانية بقصف هذه المراسي، و”في يوم 25 فبراير 1860 وفي سياق الضغط العسكري الرهيب الذي مارسته إسبانيا في حربها ضد المغرب (1859/1860) كان العدوان على مدينة العرائش، فكان الهجوم بحريا من خلال الأسطول العسكري الذي تشكل من 12 قطعة قامت بقصف مدفعي عنيف للمدينة وبطارياتها، حيث ألقت “حسب بعض المؤرخين الإسبان، 291 قنبلة و1185 رصاصة، وحسب البعض الآخر، أكثر من 2000 قذيفة” هذا فيما ذهب إليه وذكره المؤرخ والمدقق الأستاذ محمد عزلي متعه الله بالصحة والعافية في مدونة أرشيف العرائش، حيث أشار في نفس المقال أن الغارة البحرية أسفرت عن: “سقوط شرفات حصن البحر، تدمير بطاريات النقطة الأمامية للمدينة، تحطم المباني الهشة في قسم كبير منها، إلحاق أضرار بالبنايات الأكثر أهمية، تحطم الباب الرئيسي لحصن البحر، تدمير صومعة المسجد الأعظم، إحداث خسائر فادحة في المنازل، إلحاق أضرار جسيمة بمبنى القنصلية الإسبانية الشيء الذي تطلب مبالغ مالية هامة” نفس المرجع .
تبدو الاضرار العسكرية ثقيلة على مدينة العرائش وقد أعفانا المؤرخ السيد محمد عزلي من إحصائها، إلا أن ما تجب الإشارة إليه، هو ما ستؤول إليه الأوضاع الاجتماعية و السوسيو اقتصادية بعد حرب تطوان وهزيمة المغرب فيها وتأثيراتها على الوضع المحلي بمدينة العرائش.