العرائش وحرب تطوان: الحلقة العشرون

العرائش نيوز:

بقلم: عزيز قنجاع

/ النتائج العسكرية:

تكشف حادثة محمي السيد دي لاروش الحاج بنمنصور عن توسع نطاق المحميين المحليين من مسلمين و يهود، وإذا كانت النتائج الاجتماعية الكارثية لحرب تطوان على العرائش قد مست بنية المجتمع العرائشي وقسمت بين أبنائها، فإن هذه العملية التي ابتدأت في القرن التاسع عشر ستحمل معها حقدا داخليا متبادلا ستكون أبرز تداعياته الكارثية في فترة الاستقلال. أما على المستوى العسكري، فقد أشار الأستاذ محمد عزلي في دراسته لنتائج حرب تطوان على البنية العمرانية والعسكرية للعرائش في مدونته أرشيف العرائش إلى  الدمار الذي لحق مدينة العرائش حيث أسفرت الغارة البحرية في نهاية المطاف عن أضرار وخسائر جسيمة، وهي حسب المصادر الإسبانية كالتالي: “سقوط شرفات حصن البحر، تدمير بطاريات النقطة الأمامية للمدينة، تحطم المباني الهشة في قسم كبير منها، إلحاق أضرار بالبنايات الأكثر أهمية، تحطم الباب الرئيسي لحصن البحر، تدمير صومعة المسجد الأعظم، إحداث خسائر فادحة في المنازل، إلحاق أضرار جسيمة بمبنى القنصلية الإسبانية الشيء الذي تطلب مبالغ مالية هامة” إلا أن هذا الدمار ساح على مجمل البنيان العمراني للمدينة نجدها واضحة في وصف الرحالة ليون غودار Leon Godard (1825/1863): “للمدينة تحصينات في حالة يرثى لها، لاسيما في الجهة التي شيدها مولاي ناصر … في نهاية القرن 15. أما الحصن المبني في ناحية البر … فلازال جيدا. ويقدر عدد سكانها بحوالي 3500 نسمة، ويسود بها بعض النشاط التجاري، لكن الترسانات مهجورة، وما تبقى من الأسطول المغربي يتآكل في النهر”، وإن كان هذا الرحالة يتفق مع تكهناتي التي ضمنتها في حلقة سابقة عن التعداد السكاني لمدينة العرائش إبان القرن التاسع عشر والتي حصرتها في 3000 نسمة فإنه يؤكد دائما كما باقي الرحالة الحالة المزرية التي تلاحظ دائما على أنظمة دفاعاتها العسكرية.

 

 فهذا “إيلي بريمودي Elie de la “Primaudaie الذي عاصر حدث قنبلة العرائش إبان حرب تطوان يقول: “تضفي عليها من جهة البحر، التحصينات والقصبة … والصوامع الموريسكية مظهرا هائلا، لكن الوهم سرعان ما يتبدد حيث لا ترى أمامك سوى ركاما ضخما من الخرائب. وليس للمدينة المبنية بشكل غير منتظم، منزل واحد سليم، وتعطي الفوضى المنتشرة في الأزقة فكرة عن لامبالاة السكان … المدفعية في حالة رديئة، لدرجة أن العرائش لا يمكنها أن تصمد أمام هجوم القوات الأوربية، وهذا ما حدث خلال القصف الذي تعرضت له في سنة 1860 من قبل الأسطول الإسباني الذي تسبب في أضرار جسيمة”  نفس المرجع السابق…

وكالعادة وككل مرة ستكون العرائش قاب قوسين أو أدنى من دفع ثمن الهزيمة إذ تقدمت الوساطة الإنجليزية التي تزعمها دراموند هاي بعد هزيمة حرب تطوان باقتراح نص على تسليم المغرب لمدينة العرائش مقابل جلاء الإسبانيين عن تطوان وكانت حجته في ذلك أن القبائل المجاورة للعرائش أكثر هدوءا من القبائل المجاورة للصويرة. وكانت هذه الاقتراحات البريطانية تقدم إلى المخزن مصحوبة بلهجة لا تخلو من التهديد بإمكان استعمال إسبانيا لقوتها العسكرية المتفوقة حتى يقنع المخزن بالاستجابة لتلك المقترحات. ولا شك في أن هذه المقترحات كانت وليدة تخوفات الحكومة البريطانية من احتمال احتفاظ الإسبانيين بالمدينة فتصبح المصالح المتوسطية لبريطانيا عرضة للتهديد “بجبل طارق”، واتضح ذلك حين اقترح دريموند هاي فكرة استبدال تطوان بالعرائش ….غير أن مولاي العباس الذي كان على اتصال مستمر بدريموند هاي رفض تلك المقترحات جملة وتفصيلا لخطورتها، ولم يكلف نفسه عناء اطلاع السلطان عليها فبقيت معلقة بين البلدين المتنازعين وبدا مجدّدا الحديث عن مواصلة الحرب.

لقد أسفرت هزيمة حرب تطوان عن عدة نتائج كارثية إلا أن نصيب العرائش منها كان كما رأيناه باهظا على المستوى العمراني والعسكري. وهذا ما دفع بالسلطان المولى الحسن الأول إلى تفقد البنيات العسكرية بمدينة العرائش ومحاولة إعادة تفعيل دورها الدفاعي خلال زيارتها له ضمن حَرْكات السلطان التي ميزت فترة حكمه وذلك من خلال نصين واحد لابن العرائش العلامة الفقيه الجليل سيدي محمد بن محمد زروق الحسني  والثاني لصاحب الاتحاف عبد الرحمان بن زيدان .


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.