العرائش نيوز:
بقلم: عزيز قنجاع
وذيلناها برسائل الشكر والامتنان
قال في كتاب الامتاع والمؤانسة “نجا من آفات الدنيا من كان من العارفين، ووصل إلى خيرات الآخرة من كان من الزاهدين، وظَفِر بالفوز والنعيم من قطع طمعه من الخلق أجمعين.”
الحمد لله رب العالمين، وصلى لله على نبيه وعلى آله الطاهرين. أما بعد:
نأتي اليوم على ختام الحلقات التي خصصناها طيلة شهر رمضان للحديث عن قضايا وإشكالات تتعلق بتاريخ مدينة العرائش وسميناها “تاريخ العرائش خلال القرن التاسع عشر”، أي حاولنا أن نغطي تاريخ قرن كامل من الزمن التاريخي لهذه المدينة الغالية. ولقد توخينا من هذه الحلقات التي خصصناها لشهر رمضان الأبرك بالحديث عن تاريخ مدينة العرائش، أن نحقق هدفين اثنين، أولا تسلية القارئ وتمكينه من مادة معرفية للاطلاع والمعرفة وتجزية الوقت وتجميع المعلومات وتجاذب أطراف الحديث بين الناس في هذا الشهر الفضيل عما كان في المدينة من الأحداث وعن تاريخها، وما تبدل فيها من أحوال وما صار اليه وقتها من مآل. فالتاريخ كما علمنا إياه ابن خلدون فن من الفنون “التي تتداولها الأمم والأجيال وتشد إليه الركائب والرحال وتسمو إلى معرفته السوقة والأغفال وتتنافس فيه الملوك والأقيال ويتساوى في فهمه العلماء والجهال، إذ هو في ظاهره لا يزيد على إخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأول تنمو فيها الأقوال وتضرب فيها الأمثال وتطرف بها الأندية إذا غصها الاختفال وتؤدي إلينا شأن الخليقة كيف تقلبت بها ألاحوال واتسع للدول فيها النطاق والمجال وعمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال وحان منهم الزوال”، وهذا ما حاولنا جهد الإمكان أن نصله بنشر هذه الحلقات لملئ فراغ مهول تعاني منه مدينة العرائش. فهي مدينة لا يتوفر أهلها على حكاية يُسمعونها لأبنائهم عن ماضيها وتأسيسها وفرسانها ورجالاتها وساداتها الأفاضل وأقطابها إلا نزر يسير وشذرات متفرقة يضطرب مضمونها عند الحكي وتنقصه مادة لاحمة تحكم أسسه وتشد قصه. والهدف الثاني هو توجيه الباحثين إلى فتح مجموعة من القضايا و المسائل الغير مطروقة في تاريخ العرائش، فبعد أن قمنا بنشر سلسلتان عن تاريخ مدينة العرائش تضمنت الأولى حلقات عن التاريخ العسكري خلال شهر رمضان لسنة 2020 على صفحات الموقع الإلكتروني الأغر العرائش نيوز، وما فصلناه عن ملاحم سطرها سكان المدينة ضد امبراطوريات غازية من برتغاليين، فرنسيين ونمساويين وكيف تغلبوا عليها وأذاقوها طعم الهزيمة النكراء وأغرقوا سفنها وغنموا مراكبها وأسروا ضباطها وبحاراتها، وما استتبعه ذلك من نقاشات مستفيضة، وما تمخض عنه من معارضات وإضافات وتنبيهات استفدنا من جلها.
عملنا خلال رمضان الأخير على نشر حلقات متتالية عن تاريخ مدينة العرائش خلال القرن السابع عشر إلى سنة 1610 أي سنة احتلال العرائش الأول من قبل الإسبان، وكان الهدف الذي حاولناه جهد المستطاع في تلك الحلقات التعريف بتاريخ العرائش الذي فيه بدأت العرائش تبرز كمدينة بصيت عالمي ولعبت أدوارا جد مهمة في حركة الملاحة البحرية العالمية على العهد السعدي.
والحلقات التي خصصناها لرمضان هذه السنة وكل الحلقات التي نشرناها في الأشهر الفائتة لرمضان الأبرك، أردنا من خلالها أن نثير انتباه الباحثين إلى قضايا متعددة وجوانب أخرى يمكننا فتحها لتنويع مصادر البحث في تاريخ العرائش، وفتح مداخل أخرى تساعد في استنطاق المادة المصدرية التي مازالت طي الكتمان وتنويع الوثيقة التاريخية والشاهدة التاريخية لإمكان الاستفادة من جوانب عدة قد تعزز البحث التاريخي وتسنده وتدعم فرضيات وتثبت أخرى وتجيب على إشكالات مسكوت عنها وأخرى مازالت غير منتبه إليها. وحاولت جهد المستطاع أن أبين ان هناك تعددا في المداخل الممكنة لسد فراغات في الكتابة التاريخية المحلية الخاص بمدينتنا، وتتبعت فيها منهجا إسناديا يقوم على تفصيل النصوص وإيرادها مع تقريبها من القارئ وطرحت فيها قضايا اعتبرت جديدة وطالبت باعادة النظر فبي اخرى وتدقيها.
وفي الختام أسأل الله في هذا الشهر الفضيل أن يقينا شر أنفسنا وحصائد ألسنتنا ويرضي عنا أخصامنا ويصلح فساد قلوبنا ويحسن أعمالنا إلى انتهاء عاقبتنا بحسن الخاتمة وكون الحواس سالمة.
ولي في هذا الختم شكر خاص للأستاذة التي قامت بإخراج هذه الحلقات للوجود، ووقفت على تصحيح أخطائها وترقيم جملها وتزويد مادتها المكتوبة بمادة مرئية من صور وأمكنة ومصادر تاريخية، الصديقة الغالية مديرة نشر موقع العرائش نيوز الأستاذة سلوى هروسي، فلها مني كل الامتنان والعرفان والشكر، ولطاقم العرائش الصحفي الصديق الأستاذ معاذ دركول، وللصديق الكبير عبد الخالق الحمدوشي كل الشكر والود العميم على دعمه المتواصل لنشر هذه الحلقات ومتابعتها وتمكينها من الصور الحية للمدينة وأسوارها، فلك مني كل المعزة الغامرة التي لا تطال ولا تحد.
ولصاحب هذه الحلقات أدعو الله بمنه وكرمه أن يسلك بي مسلك الحق القويم، وينير لي الدرب العتيم، ويهديني إلى صراط مستقيم، ولوالدي وباقي أمهات وآباء المسلمين الرحمة والمغفرة يا أرحم الراحمين.
كتبه وقيده ليلة السادس والعشرين من رمضان سنة 1443 في ليلة القدر التي خصها الله بمزاياه العظمى الفقير إلى الله عزيز بن محمد محمد الراضي قنجاع غفر الله له، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه معين والحمد لله رب العالمين.