العرائش نيوز:
محمد أكرم الغرباوي
—-
مقام البوح 14
موسم الهجرة إلى الحلم كان على مدار السنة ، لايهدأ الحالم البسيط عن النبش في كل الطرق الموصلة إلى الضفات الأخرى بحثا عن مخرج و منفذ لإنقاذ نفسه و عائلته …
صيف المدينة حار جدا ، هروب الأطفال إلى بعض نافورات المدينة ( السويقة ، المرس ، الرياض ، …) خلال فترة إستراحة مراقبيها أو بنافورة ضريح مولاي علي بوغالب و سقاية بباب العار بمدخله . بينما المغامرون يجرون الخطى إلى ضفة واد للوكوس . كان طريق الوصول إلى الواد عبر طريق الرباط أو إختصارا عبر مزارع وغرسات طرقها ضيقة و ملتوية . كانت مغرية للعودة منها بدل الذهاب حيت تمتد الأيادي لأشجار البرتقال و الشفرجل و بعض الفواكه . لا يوقفنا عنا إلا العسس أو نباح الكلاب .
الواد ساحر صيفا ، على طول مداراته الوارفة تسمع أصوات بعض العائلات بالجنانات ( جمع جنان ) ، وروائح أطباف الطجين . و عشاق صيد سمك البوري بالشبكة او الصنارة او المصيدة الفرخ .
وبعيدا هناك على متسع منخفض يستقر مقام الباحثين عن خلاص وهروب للضفات الأخرى المشتهاة . كانوا يحرصون على إتخاذ أمكنة مخصصة لهم بعناية . أرض طينية تبلل و تدك بالأرجل . ترسم فوقها خطوط وعلامات ، أحيانا يستعان بأعواد على الأطراف لتحديد الجوانب . كان يمنع المرور فوقها بل بمحاذاتها فقط . هي بقعة مقدسة لهم أكثر منها طاولة أرضية للعب . يتحدثون عنها بفخر كبير ” هنا لعب البطل العالمي … هنا سقط و كسرت يد أو رجل …. هنا سال دم …. هنا تألق … من هنا انطلق …. ” هنا مقام ( الجغايمية ) ( شباب إختاروا وعشقوا بحب و أمل رياضة الجمباز و ألعاب السيرك و البهلوان . ” الجغيم” ملجأ للهجرة بعيدا عن الحريك . في الغالب كانوا أبناء البسطاء مع إستثناء معروف . كانوا حوالي 12 في كل أرضية لعب . كنا نراقب سحر رشاقتهم و فنية حركاتهم ، كانوا يخضعون لقوانين المدرب بإحترام و إمتثال كبيرين . بعد الركض و التسخينات الجسدية الأولية . تفرق الأدوار وكأنه تدريب عسكري . ثم تبدأ حركات الطيران المثيرة و الدوران المتكرر على الأيادي و الأرجل و المدرب يصرخ بتحفيز و حماسة (خشفاون . تيكنا . الروندة . الرديف ..) أسماء لم نكن نعلم معناها لكنها تقابل حركات و إنطلاقات …
هكذا كانت دروس تعلم رياضة الحياة و الشجاعة . درس يحتاج للكثير من الأمل . كان أغلب رواده حالمون لايهابون شيء سوى ألم الحال .
كانوا يجتمعون بمعلميهم و يتواصلون مع أصدقاءهم خارج الوطن الذين يأتون محملين بالأماني لرفاقهم وإخوانهم في تراب وماء الجغيم ( طين الحياة) . إلى أن نسمع رحليهم خارج الوطن للعمل بملاهي السيرك في ألمانيا و إنجلترا و سويسرا و أمريكا …
من أرضية صغيرة بمدينة عشق أهلها الصعب و الألم شأنهم شأن الأماجد . ليعلون القصر الكبير في كل أرضيات العالم . كذلك كانت كبريات محطات ألعاب السيرك بأمريكا تنادي اللاعب و البطل العالمي طارق البوري و البطل الأمين ليمتعا الجمهور . و كذلك البطل عبد الصمد بانجلترا و بألمانيا رضوان بريان و غيرهم بايطاليا وفرنسا .. . تعددت أسماء الأبطال و رفعوا علم الوطن الواحد .
كان طول وادي اللوكوس و محطاته ( البويلا . دار الطلياني . البنايتيين …) كما هي أحياء المدينة بسيدي الكامل و المطيمر و الكوادرة وغيرها تعج بأسماء الأبطال
طابلات الجغيم الطينية العصاميةبالواد كانت لاتهدأ من أصوات منطلقها النهر. و منتهاها الحلم وراء البحر .
محمد أكرم الغرباوي
كاتب و مخرج مسرحي