الفشل المؤلم !! في زمن «رجل الأعمال».. المقاولات في مأزق!

العرائش نيوز:

بتاريخ 29 مارس 2024 أصدرت رئاسة الحكومة بلاغا يعلن أن رئيس الحكومة عزيز أخنوش اجتمع بوفد من الاتحاد العام مقاولات المغرب، يقوده رئيس المنظمة شكيب لعلج، في لقاء حضرته أيضا وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي، إلى جانب وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات يونس السكوري، والوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، والوزيرة المنتدبة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، غيثة مزور.

البلاغ الذي تلا اللقاء الذي يدخل في إطار جولات الحوار الاجتماعي، تحدث عن التنويه بالتدابير التي باشرتها الحكومة الحالية لتعزيز صمود المقاولات المغربية في وجه مختلف الأزمات ومواصلة انخراطها في دينامية خلق القيمة المضافة وفرص الشغل، وأبرز أن من بين الأمور التي طرحت للنقاش «التداول بشأن انتظارات أرباب المقاولات والمتعلقة أساسا بتعديل مدونة الشغل وإصدار قانون الإضراب، إضافة إلى تدارس ورش إصلاح أنظمة التقاعد ».

الحديث عن تعزيز صمود المقاولات و انتظارات أرباب المقاولات من الحكومة، في التاريخ المذكور، لا يمكن فصله عن سياق خاص يحكم نشاط المقاولات في المغرب، والذي يتسم بتسجيل رقم قياسي من حالات إشهار الإفلاس والإغلاق لم يُسجل مثيل لها حتى في فترة جائحة «كورونا»، فقبل هذا الاجتماع بأيام أصدرت مؤسسة «أليانز ترايد» المتخصصة في الائتمان التجاري، والتابعة لعملاق التأمينات الألماني أليانز»، المتواجد في أكثر من 70 بلدا حول العالم من بينها المغرب تقريرا أسود بخصوص معدلات إفلاس المقاولات بالمملكة.

وجاء في التقرير أنه من المتوقع أن يرتفع عدد الشركات التي ستعلن إفلاسها مع متم سنة 2024 إلى 16.100 شركة عوض 14.200 شركة مع متم سنة 2023 بارتفاع نسبته 13 في المائة، وهو رقم قياسي جديد يتجاوز نظيره المسجل سنة 2021 الموصوم بالتبعات الاقتصادية السلبية لجائحة كورونا، حين أقفلت 10.552 مقاولة مغربية ابوابها.
وأوضح التقرير أن إفلاس المقاولات بالمغرب لا يُعزى فقط لتداعيات لجائحة، ولا إلى التقلبات المناخية وفي مقدمتها الجفاف، ولكن أيضا إلى مشكلة التضخم المرتبطة بارتفاع الأسعار وتأخر آجال الأداءات وضعف المداخيل ومعاناة الشركات المغربية من نقص السيولة المالية الخاصة بالتدبير اليومي، بالإضافة إلى عسر الأداء.
هذا التقرير لم يكن الأول من نوعه الذي كشف هشاشة المقاولات في زمن حكومة أخنوش خلال النصف الأول من ولايتها، فمكتب أنفوريسك» المتخصص في مجال المعلومات القانونية والمالية والذي يتعامل معه الاتحاد العام لمقاولات المغرب كشف أن 14.245 شركة أعلنت إفلاسها مع نهاية سنة 2023، مقابل حوالي 12.499 شركة سنة 2022، أي بارتفاع قدره 15 في المائة، بينما كانت 10.600 شركة قد أفلست سنة 2021 ، و 6700 سنة 2020 و 8400 سنة 2019 ، ما يعني أن إفلاس الشركات منذ أن تولت الحكومة الحالية مهامها أكبر من ذلك المسجل إبان فترة الجائحة وأعلى بكثير من ذاك المسجل قبل تلك المرحلة.
هذه الأرقام تمس بشكل مباشر نشاط المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، صاحبة رأس المال المحدود، والتي لم تعد تجد المناخ المناسب للاستمرار، فالتقرير السنوي للمرصد المغربي للمقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، الخاص بسنتي 2021 و 2022، والصادر في نونبر من سنة 2023، يكشف أن هذا النوع من المقاولات يمثل نسبة 99.6 في المائة من النسيج الاقتصادي الوطني، وخلال سنة 2021 حققت 88 في المائة منها رقم معاملات لم يتعد 3 ملايين درهم.
هذا الواقع انعكس بشكل واضح على زخم إحداث المقاولات الجديدة، حيث وفي سنة 2022 جرى تأسيس 93.550 مقاولة ما يمثل انخفاضا بنسبة 11 في المائة مقارنة بالعام السابق، علما أن توزيعها الجغرافي أساسا لا يتسم بالعدالة المجالية، في 35,5 في المائة من الاستثمارات الجديدة تمركزت في جهة الدار البيضاء سطات، وفق التقرير، ومحور طنجة – الجديدة حقق لوحده حوالي 59 في المائة من الناتج الداخلي الخام على المستوى الوطني سنة 2021.

وأوضحت الوثيقة ذاتها أن عدد المقاولات التي جرى شطبها من السجل ارتفع بـ 18 في المائة ما بين 2021 و 2022، ليصل إلى 9.740 مقاولة، وسجلت كل الجهات، باستثناء جهة طنجة تطوان – الحسيمة شطبا للمقاولات، ومنها 53 في المائة مقاولات جديدة لا يتجاوز عمرها 5 سنوات، أما بخصوص القطاعات الأكثر تضررا، فكانت التجارة بنسبة 53 في المائة، والبناء بنسبة 18,4 في المائة، في حين انخفض إحداث المقاولات الجديدة بـ 27 في المائة في مجال النقل، وبـ 8.5 في المائة في مجال التجارة، وبـ 3,4 في المائة في قطاع الصناعات التحويلية، بسبب الأزمة المسجلة.
التضخم والغلاء.. ثنائية أنهكت الجميع

دق الاتحاد العام لمقاولات المغرب في ماي من سنة 2023 ، ناقوس الخطر بخصوص تأثير التضخم على النشاط الاقتصادي الوطني وذلك في ظل وصوله إلى أرقام غير مسبوقة، وتجاوزه، في فبراير من العام نفسه، حاجز الـ 10 في المائة.

وأظهرت نتائج بارومتر الظرفية الاقتصادية، الذي شارك فيه 1200 من رجال الأعمال، أن 3 أمور يخشاها المستثمرون المغاربة وهي التضخم والمنافسة غير العادلة من القطاع غير المهيكل والضغط الضريبي، وهي عوامل تتجاوز مخاوف أخرى مثل صعوبات الحصول على تمويلات وكلفة العقار.

عجز الحكومة عن مواجهة التضخم وانعكاس ذلك على الأسعار كان وراء إقدام بنك المغرب على رفع سعر الفائدة 3 مرات خلال 6 أشهر، لينتقل من 1,5 في المائة في يونيو من سنة 2022، إلى 3 في المائة المثبت حاليا منذ مارس 2023، وحينها أوضح البنك أن الهدف الرئيسي يتمثل في «تفادي حدوث دوامات تضخمية والتحكم في مستويات التضخم بغية عودتها إلى مستويات تتماشى مع هدف استقرار الأسعار».

هذا الواقع الذي رافق الحكومة الحالية، طيلة ولايتها التي وصلت إلى نصف الطريق كان حاضرا خلال تقديم رئيسها عزيز اخنوش، وهو رجل أعمال قبل أن يكون سياسيا، للحصيلة المرحلية لعملها أمام البرلمان بتاريخ 24 أبريل 2024، وخلالها بدا هذا الأخير حريصا على بعث رسائل طمأنة للمستثمرين بخصوص المستقبل، حيث شدد على أن التضخم صار «متحكما فيه».

ووفق أرقام رئيس الحكومة، فإن التضخم الذي بلغ ذروته في فبراير من سنة 2023 حين وصل إلى نسبة 10.1 في المائة، تراجع تدريجيا إلى أن وصل إلى 0.7 في المائة في مارس من سنة 2024 بينما أسعار المواد الغذائية، ورغم تداعيات الجفاف»، تباطات من 20 بالمائة في فبراير 2023 إلى 6.7 في المائة مع نهاية العام نفسه، قبل أن تصل إلى ناقص 0,4 في المائة في فبراير 2024.

لكن معطيات رئيس الحكومة، لا تعكس الحقيقة، أو على الأقل لا تظهر الصورة الكاملة، فقبل مثوله أمام البرلمان بيومين أصدرت المندوبية السامية للتخطيط مذكرة إخبارية حول الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك لشهر مارس 2024، والذي كشف أن مؤشر التضخم الأساسي، الذي يستثني المواد ذات الأثمان المحددة والمواد ذات التقلبات العالية، قد عرف خلال ارتفاعا بـ 0.3 في المائة بالمقارنة مع شهر فبراير 2024 وبـ 2,4 في المائة بالمقارنة مع شهر مارس 2023.

هذه الوثيقة أظهرت أن الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك خلال شهر مارس 2024 ، سجل ارتفاعا بـ 0,7 في المائة بالمقارنة مع الشهر السابق، مبرزة أن هذا الارتفاع نتج عن تزايد الرقم الاستدلالي للمواد الغذائية بـ 17 في المائة وللمواد غير الغذائية ب 0,1 في المائة، وهمت الارتفاعات جميع المواد الغذائية الأساسية بما في ذلك السمك بزائد 11,6 في المائة، والفواكه والخضر بـ 3,1 و 2,5 في المائة تواليا، واللحوم بـ 17 في المائة، والحليب والجبن والبيض بـ 1,4 في المائة، وكذا السكر بـ 0.3 في المائة، والزيوت و القهوة و الشاي ب 0.1 في المائة.
ينضاف إلى ذلك استمرار غلاء أسعار المحروقات، القطاع الذي يحتكر أخنوش، عبر شركته «أفريقيا» نحو ربع حصة سوق البنزين والغاز بالمغرب، وهو الأمر الذي لم تتخذ الحكومة أي إجراء للحد منه حتى بعد قرار مجلس المنافسة في نونبر الماضي، الذي أدان 9 شركات بالتورط في ممارسات احتكارية في فترة ما بعد تحرير أسعار المحروقات سنة 2015، وفرض عليها دفع غرامة بقيمة 1,84 مليار درهم في إطار «تسوية تصالحية» نتيجة الأرباح غير القانونية التي جنتها، وفي مقدمتها الفاعلون الثلاثة الأكثر «أفريقيا» و«فيفو إنيرجي» المالكة لمحطات «شل» و «طوطال إنيرجي».
الغلاء المبالغ فيه لأسعار المحروقات في المملكة يتضح من خلال المقارنة بدول أخرى لا تتوفر على مصادر للطاقة شأنها شأن المغرب فوفق معطيات منصة «غلوبال بترول برايس» المتخصصة في أسعار المواد النفطية عالميا، وصل سعر اللتر الواحد من البنزين في المغرب 1,4 دولارا في شهر ماي من سنة 2024، ليكون بذلك الأغلى في المنطقة العربية، متجاوزا بكثير الأردن التي لا تملك بدورها أي مصدر ذاتي للمحروقات، ولا يتجاوز السعر هناك 1,03 دولارات للتر، بينما في لبنان لا يتعدى 0.75 دولارا، وفي تونس 0.70 دولارا ، و 0.21 دولارا في مصر.
وفي الوقت الذي ظلت الحكومة تصر فيه على أنها لن تعيد دعم المحروقات إلى صندوق المقاصة مجددا، رغم كل المؤاخذات المسجلة، فإنها اختارت الطريق «الأسهل» لتخفيف حدة «صداع الرأس الذي تسببت فيه أسعار البنزين والغازوال المقاومة لأي انخفاض ملموس، إذ قررت، منذ مارس من سنة 2022 ، تخصيص دعم مالي من خزينة الدولة لفائدة مهنيي النقل العملية المستمرة إلى الآن، والتي كلفت إلى غاية أكتوبر 2023 حوالي 6 مليارات درهم، في سبيل تفادي الزيادات «المعلنة» على الأقل، في أسعار النقل العمومي، دون المساس بأرباح الشركات التي أضحت تستفيد بشكل غير مباشر من دعم الدولة الذي يؤدى من جيوب المواطنين بمن فيهم أصحاب السيارات والدراجات الشخصية المستثنين من أي دعم، والذين فرضت عليهم الحكومة أن يكونوا الطرف الذي يتحمل ضريبة هذا الوضع.

الصحيفة


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.