العرائش نيوز:
تتشكل وزارة الداخلية من عدة مديريات عامة مركزية , كالمديرية العامة للجماعات الترابية او المحلية و المديرية العامة للانعاش الوطني , و المفتشية العامة للإدارة الترابية …, غير ان المديرية العامة للشؤون الداخلية او مديرية الشؤون العامة سابقا , او كما يسميها بعض المختصين بالعقل السياسي لوزارة الداخلية , تبقى اهم و ابرز مديرية عامة بوزارة الداخلية بالنظر الى المهام التي تضطلع بها و المرتبطة بما هو سياسي و امني و استعلاماتي , حيث ان دراساتها و تحاليلها و كذا التشخيص و الرصد و الضبط و الخلاصات و المقترحات التي تقدمها لصناع القرار تحظى باهتمام بالغ بحكم الدقة و التنظيم المحكم لمديرياتها و اقسامها و مصالحها وكذا اعتمادها على موارد بشرية و رجال سلطة بكفاءات عالية و متخصصة في مجال العلوم السياسية و الإدارة الداخلية و كل فروع القانون العام و مجال غربلة و تفكيك و تحليل المعلومة
وهذا ما يجعلها تحتل مكانة و اهتمام بالغ الأهمية من طرف كل الوزراء الذين تعاقبوا على راس الوزارة و هو ما تم ملاحظته في عهد وزير الداخلية السابق ادريس البصري , الذي قضى مدة طويلة و في فترة حساسة من تاريخ بناء المغرب على راس وزارة سيادية نعتت بام الوزارات و من بناياتها ساهمت في صناعة اهم القرارات السياسية و الأمنية للبلاد
و تكفي الإشارة الى اهم المديريات الفرعية و المنبثقة منها و التي تشكل ركائزها , للتوضيح بشكل جلي على حساسية و أهمية اختصاصاتها المهمة و الخطيرة , كمديرية الإدارة الترابية و مديرية الوثائق و المستندات او الدراسات و التحاليل سابقا و كذا مديرية الانتخابات و مديرية الحريات العامة, أي انها عصب تدبير الشأن العام السياسي و الأمني و الحقوقي للبلاد
و بالنظر الى أهمية المديرية العامة للشؤون الداخلية فانها شكلت بالإضافة الى مديرية مراقبة التراب , دعامتين أساسيتين اعتمد عليهما ادريس البصري في بسط نفوذه السياسي و الإداري و الأمني , و في تتبع و التحكم في خيوط الحقل السياسي و معرفة ادق تفاصيل البلاد الأمنية و السياسية , و استعمال ما يتحصل عليه من معلومات في تدجين و ترويض ابرز قادة و نشطاء اليسار , و استقطابهم للعمل داخل مؤسسات الدولة و الاستفادة من كفاءاتهم او استعمالهم كادوات للتحكم في التنظيمات الحزبية المعارضة , باستعمال أساليب العصا و الجزرة و الزج بالمناضلين الثابتين في معتقلات سرية كشفت عنها لاحقا تقارير هيئة الانصاف و المصالحة
و تعتبر المديرية العامة للشؤون الداخلية بمثابة المختبر السياسي و الامني لوزارة الداخلية , و ذلك من خلال التتبع الدقيق للشان السياسي و مراقبة و دراسة سلوك قادة الأحزاب السياسية بالمركز الرباط و الدار البيضاء او المدن الكبرى للمملكة , و اعداد التقارير بمدى قوة و تجدر كل حزب سياسي على حدة , و مدى تمكن النشطاء الحزبيين من القواعد , و كذا معرفة توجه الراي العام بخصوص أي حزب سياسي او سياسة معينة يتم الاعداد لها او تم اتخاذها , و اعداد التقارير حول حظوظ أي حزب سياسي انتخابيا ان على المستوى الوطني او المحلي , هذا بالإضافة الى اعداد تقارير يومية عن الحالة الاقتصادية و الاجتماعية و الدينية و مستوى الأسعار و مراقبة و تحليل التصرفات الأمنية و التنظيمية لبعض التنظيمات المعارضة الغير المؤسساتية , و محاولة فرز تياراتها و تحركاتها و نشاطها داخل المجتمع , ومعرفة الصقور و الحمائم من قادتها و علاقتها بباقي التنظيمات سواء المغلقة او المفتوحة, كما انها تقوم برصد و تتبع الوضع الحقوقي بالبلاد و مطالب الجمعيات و النشطاء الحقوقيين و التوجه الحقوقي العام لجمعيات المجتمع المدني و الاهتمام بالتطور التشريعي الحقوقي و مدى ملائمته مع التوجه العام للدولة, كما تقوم عبر مصالحها المركزية او في الولايات و الأقاليم باعداد تقارير عما ينشر بوسائل الاعلام و الصحافة المكتوبة منها و الالكترونية, و كذا تتبع ما ينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي
و تظهر الأهمية القصوى لهذه المديرية العامة فيما تضطلع به من دور محوري في اعداد و نجاح كل استحقاق انتخابي, و المساهمة في الحفاظ على توجه السياسة العامة للدولة و نظرتها لكل حزب او تنظيم سياسي و مدى نضجه و قبوله في المشاركة في تدبير الشأن العام , وفق تدبير محكم و قبلي للشان العام السياسي و محاولة قطع الطريق عن المغضوب عنهم او من هم ليسوا بعد في مرحلة النضج و فق وجهة نظر أجهزة الداخلية و مصالحها المعقدة و المتشعبة
ولعل أهمية هذه المديرية العامة كذلك تظهر كذلك على مستوى رجال السلطة الذين يتولوا اقسام الشؤون العامة الداخلية على مستوى الولايات و العمالات , ممن تتوفر فيهم مواصفات الجدية و الكفاءة في العمل الإداري و الأمني و الاستعلاماتي , و كذا معرفة كل التنظيمات الحزبية و الأصولية و الحقوقية , و يخضعون في التسلسل الرئاسي مباشرة الى رؤسائهم في المركز
ويمكن الاستدلال كذلك على قوة و أهمية و حساسية المديرية العامة للشؤون الداخلية الى تراسها سابقا من طرف السيد محمد ياسين المنصوري الذي يدير حاليا الإدارة العامة للدراسات و المستندات , و كذا خضوع السيد فؤاد عالي الهمة للتكوين و اخذ التجربة الإدارية و الأمنية و السياسية في اقسامها و مصالحها , قبل ان يصبح الحاكم الفعلي للوزارة بعد اقالة البصري
وتبرز قوة و أهمية وزارة الداخلية من قوة المديرية العامة للشؤون الداخلية, حتى ان المعارضة اليسارية السابقة كانت تقترح فصل مديرية الجماعات المحلية عن وزارة الداخلية حتى لا تتاثر بالطابع الأمني المتسم بالضبط و التحكم في الشأن المحلي بشكل يقلل من هامش فرص نجاح التجربة الديمقراطية المحلية
وحيث ان قوة و شساعة و تداخل اختصاصات وزارة الداخلية مع قطاعات وزارية أخرى و شخصية ادريس البصري النافذة هي ما جعلت محاولة تجربة التناوب خلال سنة 1993 تعرف طريقها نحو الفشل بعدما تشبت امحمد بوستة الأمين العام لحزب الاستقلال بضرورة ابعاد البصري عن الحكومة , غير ان اليوسفي قبل به في تجربة ما يسمى بالتناوب التوافقي سنة 1998 بتراس الاتحاد الاشتراكي للوزارة الأولى , قبل ان يعين جلالة الملك السيد ادريس جطو على راس الوزارة الأولى في تشكيل الحكومة عقب ننتائج الانتخابات الموالية و الصراع و السجال بين الاتحاد الاشتراكي و حزب الاستقلال حول من له احقية الوزارة الأولى و تشبت حزب الاستقلال باولويته في ذلك تحت شعار مولا نوبة , ذلك التعيين الملكي لتفادي الانحباس المؤسساتي و السير السلس لعجلة البلاد اعتبره اليوسفي انقلاب على المنهجية الديمقراطية
و عرفت طريقة تسيير و تدبير و زارة الداخلية في عهد جلالة الملك محمد السادس نصره الله , منهجية جديدة يغلب عليها الطابع التنموي و التخفيف من الاعتماد بشكل كامل على المقاربة الأمنية, وهو ما تجسد في انفتاح الوزارة على المهندسين من خريجي الطرق و القناطر , كالسيد شكيب بن موسى و السيد محمد اليعقوبي و السيد محمد حصاد … على ان يكون الاهتمام الأمني و المعلوماتي من اختصاص رجال السلطة على راس اقسام الشؤون العامة بالولايات و العمالات , وهو تقسيم سلس للمهام بين ما هو تنموي اقتصادي و ما هو امني استعلاماتي
غير ان هذه المديرية العامة تظل في أحيان كثيرة , تستنير بما توفره بعض أجهزة الدولة الاحترافية التي تشتغل على المعلومة من توضيح و فك بعض رموز و خبايا و توجه و نوايا بعض التنظيمات المغلقة ,بما تملكه من حس استخباراتي و وطني عالي يتيح لها إمكانية التغلغل و الاختراق و الحصول على المعلومة من المنبع , ليتسنى تملك المعطيات الكافية لاتخاذ القرار المناسب في الاشراك المؤسساتي التدريجي للتنظيمات التي لا تتبنى العنف و العمل السري
وفي الاطار العام لابد من الإشارة الى التنبيه بضرورة التفكير بشكل مستعجل في كيفية الارتقاء بمؤسسات تاطير المجتمع من أحزاب سياسية و مجتمع مدني , ليقوم بمهامه الدستورية , و العمل على تحفيز الكفاءات في المساهمة و الاقتراح و تنشيط الحقل السياسي و الاهتمام بالشان العام و تحفيز العقل الجمعي للمجتمع كسند و مكمل لعقل الدولة باجهزتها , فمهما بلغت قوة الدولة و مؤسساتها , فانها بدون قوة المجتمع عبر تنظيماته , تظل مكشوفة للخارج و عرضة للتاكل من الداخل في أي صراع او تنافس على النفوذ
فبلادنا اختارت التعددية كخيار استراتيجي , وحصنته بنص الدستور بحظر الحزب الوحيد , ايمانا راسخا بان المجتمع المغربي هو مجتمع تعددي بروافده المختلفة , تحت حصن و سقف مؤسسة جامعة و ضامنة و حكم بين الجميع و هي المؤسسة الملكية , ولذلك فان هذا التعدد ينبغي ان ينصرف حتى الى مستوى قنوات صنع القرار داخل أروقة السلطة نفسها , وهذا من حسنات المرحوم الحسن الثاني الذي كرس الفكر التعددي حتى على مستوى أجهزة الدولة للاستفادة من خصائص و مميزات كل جهاز او مؤسسة على حدة , و تزكية روح التنافس الإيجابي , مخافة السقوط في الراي الواحد و الوحيد و الاتجاه الوحيد و المعلومة الوحيدة التي قد تجعل المنفرد بها يزيغ عن جادة الصواب
و في هذا الاطار لابد من الإشارة الى خطا انفراد حزبين و هما التجمع الوطني للاحرار و الاصالة و المعاصرة بالتحكم في التمثيلية البرلمانية و من تم التحكم في القرار الحكومي , وهما اللذان يتشابهان حد التطابق في كيفية التاسيس و كذا البرامج , كما انهما يدافعان عن نفس الفئة المقربة من الدولة و المحظوظة , و المستفيدة من الريع , وان كان هناك من اختلافى فهو مرتبط بمصالح اشخاص و جهات داخل الدولة
وضمن هذا السياق فان الوقت قد نضج بما فيه الكفاية لدخول جماعة العدل و الحسان للمعترك السياسي المؤسساتي و استيعابها للمتمذهبين بالمذهب الشيعي او الخط الرسالي , كما هو الشأن بالنسبة لانفتاح حركة التوحيد و الإصلاح و حزبها العدالة و التنمية على بعض التيارات السنية , على ان ينهض الاتحاد الاشتراكي و التقدم و الاشتراكية و باقي الحساسيات اليسارية , بشكل يعكس تعددية سياسية حقيقية تعيد للحقل السياسي حيويته و مصداقيته , انتاجا للبرامج و الأفكار الذي يحيي في الدولة طابعها النضالي في التدبير السياسي و الأمني و الاقتصادي خدمة للمجتمع , كغاية سامية يؤكد عليها جلالة الملك في كل خطبه الملكية السامية.
ذ عبد الحميد العباس
أم الوزارات:
جاء بالمقال ما يلي”تظهر الأهمية القصوى لهذه المديرية العامة فيما تضطلع به من دور محوري في اعداد ونجاح كل استحقاق انتخابي,والمساهمة في الحفاظ على توجه السياسة العامة للدولة ونظرتها لكل حزب او تنظيم سياسي ومدى نضجه وقبوله في
المشاركة في تدبير الشأن العام…”…هذه فقرة من أهم فقرات المقال،وبالنسبة لي يمكن ان أسميها: كيفية صنع النخبة السياسية بالبلاد…لا يشك عاقلان أن أم الوزارات لا زالت تتسيد المشهد عندنا،فهي تتدخل في صنع الخريطة السياسية وفي صعود اي حزب/دكان سياسي ونقابي،وفي تشويه صورته لدى المتلقي اذا تطلب الامر ذلك…واستقصاء التاريخ خير دليل على ذلك،فبلدنا ليس فيه ديموقراطية حقيقية بل مجرد ديكور تتحكم في واجهته هذه الوزارة…