حق الأفراد في التزام الدولة بواجب احترام قابلية القانون للتوقع و الحماية القضائية

العرائش نيوز:

إن التزام الدولة بواجب احترام قابلية القانون للتوقع أو التوقع المشروع ، حتى لا تتم مباغتة و مفاجئة المواطنين ، بما تصدره من قوانين، لتفادي زعزعة ثقتهم في الأسس الموضوعية المستمدة من الأنظمة القائمة التي تتبناها وفق مواصفات الوضوح وسهولة الفهم و الثبات.
فهل لطبيعة النظام السياسي وبنيته الدستورية دور في تأسيس و تعزيز و حماية هذا المبدأ أو الحق بصفته حق عام؟ وكيف يساهم القضاء في بلورته و حمايته من خلال ما يصدره من اجتهاد قضائي ؟
لا بد من الإشارة اللازمة إلى ذكر مميزات القاعدة القانونية و ضرورة اتصافها بالعمومية و التجريد و أن تكون اجتماعية و ملزمة ، كما ينبغي في نفس الإطار التأصيلي أن نميز ما بين السلطة التشريعية و الوظيفة التشريعية.
فوظيفة التشريع يمارسها كذلك الملك بإصدار الأمر بتنفيذ القانون خلال الثلاثين يوما التالية لإحالته على الحكومة بعد الموافقة عليه عن طريق الظهائر الشريفه، كما تمارسها كذلك الحكومة بمقتضى مشاريع قوانين.
وإذا كانت ثوابت النظام المغربي ومرجعياته الدستورية، أن كرست موقعا متميزا للمؤسسة الملكية في الهرم الهندسي للسلطة و مؤسسات الدولة ، وأقرت فصلا مرنا بين السلطات يقوم على التكامل وليس على القطيعة ، ذلك التكامل الغير الملغي لمبدأ فصل السلط ، المعزز لركائز البناء الديمقراطي الناجع.
أما السلطة التشريعية ممثلة في البرلمان ، وممارستها في ظل الثوابت و المرجعيات ، كانت ولا زالت محكومة بتوترات الواقع السياسي و متغيراته المستمرة ، وهو واقع تقر شواهد التاريخ أن المؤسسة الملكية تظل الفاعل الأساسي في تأطيره و توجيهه.
إن محاولة التقعيد و التأصيل للمفاهيم و المبادئ القانونية السابقة ، من شأنه أن يساعد في تلمس موضوع أكاديمي من مواضيع القانون و الحق العام ، يحبل بحمولة و تأويلات قانونية سياسية معا ، أكثر من مجرد حمولة قانونية صرفة ، ذلك أن تمتع أي مجتمع بنظام سياسي مستقر ، وبناء مؤسساتي منسجم ، وفق ثوابت ومرجعيات ناظمة و موجهة ، من شأنه أن يجعل التزام الدولة و هي تقوم بوظيفة التشريع ، في جعل القانون قابل للتوقع ، من الأهداف الإستراتيجية لتعزيز عنصر الثقة داخليا وخارجيا.
وإذا كان النظام التشريعي ، يشكل أداة للتأطير الإجتماعي ، و وسيلة من وسائل تدبير الشأن العام ، وإدارة السياسات العمومية ، وحماية الحقوق و الحريات ، فإن القضاء هو الوجه الاخر لحقوق الإنسان ، بحكم توليه لمهام جسيمة و مسؤولية كبرى ، في تدعيم عنصر الثقة و تعزيز البناء المؤسساتي السليم واقعيا و قانونيا. فكيف يساهم القضاء في ترسيخ و حماية حق التوقع المشروع ؟
لا يخفى أن السلطة القضائية إنما تقوم في إطار وظيفتها الأساسية بعمل إنساني ، والإنسان خطاء بطبيعته ، لذلك فقد اهتدى الفكر القانوني إلى ابتكار طرق الطعن في الأحكام و القرارات عن القضاء للتقليل ما أمكن من تلك الأخطاء.
وتعتبر محكمة النقض كمؤسسة قضائية توجد في جل النظم القانونية وان اختلفت التسميات.
وهي محكمة قانون تقوم بأهم وظيفة ، تتمثل في مراقبة التطبيق و التفسير السليم للقانون و إرادة المشرع ، تؤدي عمليا إلى توحيد الإجتهادات القضائية على مستوى الدولة كلها ، فيتكون في المجتمع اتجاه متناسق فيما يتعلق بتجاوز التطبيقات المتعسفة للقانون.
إن التزام الدولة بحق الفرد في التوقع المشروع ، يشكل دعامة من دعائم زرع عنصر الثقة ، التي تعتبر لبنة أساسية لقيام علاقة سليمة بين الحكومة و الشعب ، وباعثا من بواعث احترام القانون و إجراءاته الهادفة لتحقيق المصلحة العامة و تعزيز الشعور الإيجابي بالإنتماء و وحدة المصير.
ذ/ عبد الحميد العباس ، محام بهيئة طنجة


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.