بين هدم بلاصا الجديدة بطنجة والحفاظ على محطة العرائش.. او حين وقف حمار العرائش في العقبة ؟ !

العرائش نيوز:

صادق مجلس جماعة طنجة مؤخرًا على مشروع هدم سوق “بلاصة الجديدة” وتحويله إلى مجمع تجاري عصري يتضمن 198 محلًّا تجاريًّا و48 فضاءً لبيع الخضر والفواكه والأسماك، ويشمل المشروع مرأبًا بمساحة 29 ألف متر مربع يتضمن 441 موقفًا للسيارات، منها 14 لذوي الاحتياجات الخاصة، بهدف تحسين الخدمات التجارية وتعزيز البنية التحتية في المدينة .

هذا السوق، الذي يُعتبر من البنايات التاريخية بطنجة، يعود تاريخ بنائه إلى سنة 1950، وهو معلمة حقيقية حاضرة في أدبيات طنجة من محمد شكري إلى بول بولز وغيرهما.

اليوم، يقرر المجلس المنتخب بطنجة إزالة هذه البناية ببساطة لأنها “بشعة” وتشكل عرقلة حقيقية تُخنق السيرَ والجولانَ بقلب المدينة.

هذا القرار الشائك يمرُّ بيسر وسلاسة، كما مر قبله قرار هدم المحطة القديمة، بعيدًا عن منطق التخوين والاتهام ونظرية المؤامرة.

وفي مدينة لا تبعد أكثر من 80 كلم عن طنجة، حيث يبكي ساكنتُها حظَّهم في غياب التنمية، وينظرون إلى طنجة كنموذج يُضرَب به المثل؛ مدينة تُجيد فيها “النخبة” عَلكَ خطاب الشعبوية، تُشكِّك في أي قرارٍ وتعتبر أيَّ تجديدٍ بدعةً وظلالةً تقود نحو النار.

كيف ستنظر هذه النخبة المعتقة لهذا القرار “الكافر” في حق التراث؟ وماذا لو اتُّخِذ قرارٌ مثله بمدينة العرائش؟

وهنا سأستحضر مقارنةً بين بناية “بلاصة الجديدة” بطنجة المبنية سنة 1950، والمحطة القديمة بالعرائش التي يعود تاريخ بنائها لسنة 1957. يجتمعان في القِدم، رغم أن سوق طنجة أقدم، كما يلتقيان في أنهما أصبحا نقطتَيْن سوداوَيْن، رغم أن بناية محطة العرائش أشد سوادًا بعد تحولها إلى مأوى للمشردين، مقابل “بلاصة الجديدة” التي لا تزال إلى اليوم سوقًا عامرًا بأنواع الزهور وأحواض السمك ومحلات بيع الحيوانات الأليفة.

نخبة العرائش المعتقة، منذ إعلان غلق المحطة القديمة، خرجت العديد من الأصوات تطالب بالحفاظ على بناية المحطة القديمة باعتبارها “إحدى عجائب الدنيا السبع”، مؤكِّدين أن البناية – بقليل من الجير والصباغة – ستتحول إلى مَزارٍ وأثَرٍ دوليٍّ يزوره السياح من جميع بقاع الأرض.

وبالفعل انتصر الهراء، وبقيت المحطة القديمة شاهدًا على الغباء، نقطةً سوداء بقلب المدينة، والويلُ كلُّ الويلِ لكل من حاول الاقتراب منها أو المسَّ بها؛ اللَّعْنُ والتخوينُ مصيرُه الأكيد.

ألا تُعتبر مثل هذه المقارنة (بلاصة الجديدة طنجة / المحطة القديمة بالعرائش) أحدَ الأجوبة الحقيقية عن سبب تأخر انطلاق قطار التنمية بالعرائش؟ أليس الجواب عن هذا التأخر هو أن سكة هذا القطار صدئةٌ وتحتاج إلى تغيير كلي؟

لو التفت صُنَّاع القرار بطنجة لهراء “المتأرِّخين”، لبقيت طنجة – محمد شكري بشمكارتها – وبُنية الصرف الصحي التي تُزكم أنفَ كل داخلٍ إليها، لَبقيَ كرنيشُها التاريخي كما هو، ولَبقيَ القطارُ يصل إلى الميناء القديم. لكن تجاوزَ الهراءَ وعدمُ الاستماع لكلِّ مَن هبَّ ودبَّ هو ما صنع “طنجة الدولية” التي نشاهدها اليوم.

العرائش مليئة بآثارها من ما قبل التاريخ إلى موقع ليكسوس، مرورًا بالمدينة القديمة وقلاع العصر الوسيط. مدارُ ساحة التحرير: بناية السوق المركزي، وبناية بنك المغرب، والمنارة؛ ابنيةٌ محفوظةٌ ولا يستطيع أحدٌ المساس بها مهما كان. فعلى حراس الوهم المتصارعين مع طواحين الهواء الكف عن الهراء.

م . ص

 

 


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.