المنظمة الماسونية “ليكسوس” في العرائش

العرائش نيوز:

حسام الكلاعي

تُعدُّ محفل ليكسوس في مدينة العرائش من أوائل وأبرز المحافل الماسونية التي تأسست في شمال المغرب خلال فترة الحماية الإسبانية. وقد أُسِّس في عشرينيات القرن العشرين، وتعكس مسيرته تعقيدات الوجود الماسوني في المغرب تحت الاستعمار، بما في ذلك فترات الاعتراف القانوني، والملاحقات، والإسهامات الثقافية، والنهاية القسرية لأنشطته. فيما يلي عرضٌ مفصل لتاريخ هذا المحفل، من حيث نشأته، تطوره، أعضائه، نشاطاته، رمزيته المعمارية، وصلاته بالمحافل الأخرى.

1. النشأة والتأسيس
السياق الاستعماري: بعد فرض الحماية الإسبانية على شمال المغرب سنة 1912، أصبحت مدينة العرائش تحت الإدارة الإسبانية، وفي هذا السياق ظهرت منظمة “ليكسوس”، والتي سُمّيت بذلك تيمُّنًا بمدينة ليكسوس الأثرية المجاورة، في إشارة إلى الجذور الحضارية للمنطقة.

تاريخ التأسيس: تشير الوثائق إلى أن المحفل كان نشطًا منذ سنة 1922، لكن تأسيسه الرسمي يعود إلى سنة 1923 تقريبًا، حين تم تسجيله كجمعية ثقافية وإنسانية تحت اسم “الجمعية الإنسانية والثقافية ليكسوس”، ما سمح له بالحصول على اعتراف قانوني رسمي في أبريل 1925.

ندرة التنظيمات الماسونية في المنطقة: في عقد العشرينيات، كانت العرائش واحدة من المدينتين الوحيدتين في المنطقة الخاضعة للحماية الإسبانية التي احتضنت تنظيمات ماسونية، إلى جانب القصر الكبير (محفل كابو إسبارتيل 1925).

2. التطور التاريخي والأنشطة
الانتماء والطاعة: ارتبط محفل ليكسوس بالماسونية الإسبانية، حيث حمل الرقم 23 في سجلات “الهيئة الكبرى الإسبانية” ورقم 446-B لدى “المشرق الأعظم الإسباني”، وكان أعضاؤه يمارسون الطقوس الاسكتلندية القديمة والمُعتَمدة.

الإغلاق القسري سنة 1926: في ظل ديكتاتورية “بريمو دي ريفيرا”، تعرض المحفل إلى مداهمة بوليسية في 21 مايو 1926، حيث أُغلِق مقره، وصودرت وثائقه، وأُجبر على التوقف عن النشاط، كما حصل مع محفل “كابو إسبارتيل” في القصر الكبير.

العودة التدريجية: بين سنتي 1929 و1930، عادت الأنشطة بهدوء، واستفاد المحفل من أجواء الجمهورية الثانية الإسبانية (1931) ليعيد تنظيم نفسه، بل ظهر محفل ثانٍ في العرائش سنة 1931 باسم “الثبات رقم 70″، كما تم إنشاء محفل فلسفي باسم “هيسبيريدس” لدرجات عليا.

الصراعات الداخلية: عرفت أواخر عشرينيات القرن الماضي صراعًا داخليًا بين جناحين: أحدهما بقيادة “خوسيه نافارو دياز” الذي سعى إلى الاستقلال عن الهيئات الكبرى، والآخر بقيادة “بارتولومي باخاريس دوران” الموالي لطاعة الهيئة الكبرى. تم التوصل إلى مصالحة في يناير 1932، ما مكن المحفل من الاستمرار.

الطابع الثقافي والفكري: تميز محفل ليكسوس بنشاطاته الفكرية ودفاعه عن القيم الجمهورية، إذ نظم لقاءات فكرية ونشر مطبوعات ذات طابع نقدي للكنيسة، كما شارك في فعاليات مثل الاحتفال بميلاد الفيلسوف اليهودي “ابن ميمون” سنة 1935، ما يُبرز انفتاحه على البُعد الثقافي والديني المتعدد.

الإغلاق النهائي: مع اندلاع الحرب الأهلية الإسبانية سنة 1936، انتهى وجود المحفل بعد سيطرة القوات الفرانكوية على منطقة الحماية، حيث صودرت مقراته ووثائقه، وتعرض أعضاؤه للملاحقات، ولم يَعُد للمحفل أي نشاط علني بعد ذلك التاريخ.

3. علاقاته بالمحافل الأخرى
محفل أمّ في المنطقة: ساهم محفل ليكسوس في ولادة محافل أخرى، مثل “كابو إسبارتيل” في القصر الكبير و”الثبات” في العرائش، وكان له دور توجيهي في تنظيمات أخرى بشمال المغرب.

موقفه من الهيئة الكبرى المغربية: رفض محفل ليكسوس الانضمام إلى “الهيئة الكبرى المغربية” التي تأسست في طنجة سنة 1923، وفضّل البقاء تحت الطاعة الإسبانية، وهو ما أدى إلى إضعاف تلك الهيئة المغربية وفشل مشروعها التوحيدي.

التنسيق الإقليمي: رغم بعض الخلافات، احتفظ محفل ليكسوس بعلاقات ودية مع محافل مجاورة مثل “كابو إسبارتيل”، وتعاون معها في أنشطة فكرية ومناسبات احتفالية، خاصة خلال ثلاثينيات القرن الماضي.

4. الأعضاء البارزون والتركيبة البشرية
تنوع الأعضاء: ضم المحفل خليطًا من الإسبان (عسكريين، موظفين، معلمين) ويهود مغاربة ناطقين بالإسبانية، مثل: سمعون بنعمان، موسى بوحبوت، يهودا بناسولي، سليمان مدينا… وكان هؤلاء يرون في المحفل فضاءً للاندماج الثقافي والنهضة الفكرية.

ضعف الانتماء العسكري: بعكس محافل أخرى، كان حضور العسكريين محدودًا في محفل ليكسوس، خاصة بعد حملة القمع سنة 1926.

أبرز الشخصيات:

بارتولومي باخاريس دوران: كان من أهم الشخصيات القيادية في العرائش، شغل منصب الأستاذ الأعظم في عدة دورات، وكتب منشورات ضد الفاشية، منها كتيب “يسقط الفاشية!” سنة 1933.

خوسيه نافارو دياز: شخصية خلافية، دافع عن استقلالية المحفل عن الهيئات الإسبانية.

يهودا بناسولي: ساهم لاحقًا في تأسيس محافل ماسونية ناطقة بالإسبانية في الدار البيضاء.

فرانكو والماسونية: تشير بعض الروايات إلى أن فرانكو طلب الانضمام إلى محفل ليكسوس سنة 1926 ورفض، وهو ما زاد من عداوته لاحقًا للماسونية.

5. مقر المحفل والطابع المعماري
المقر: لم تُحدد وثائق رسمية مكان المقر بدقة، لكنه كان يوجد في وسط المدينة الأوروبي، وتمت مصادرته مرتين (1926 و1936). لم تُترك عليه رموز ظاهرة، ما يعكس طابعه السري.

الطراز المعماري: لا توجد معطيات كافية حول طراز المبنى، لكنه كان على الأرجح بسيطًا وغير ظاهر، مع احتفاظه بالترتيبات الداخلية التقليدية للطقوس الماسونية.

رمزية الاسم: اختيار اسم “ليكسوس” يحمل دلالة قوية، إذ أراد مؤسسو المحفل ربطه بجذور حضارية محلية (ليكسوس الأسطورية)، ما يدل على محاولة دمج الرمزية الماسونية بالتاريخ الثقافي المغربي.

6. التأثير المجتمعي والإرث
التأثير المحلي: لم يكن تأثير المحفل واسعًا بين عامة السكان، لكنه لعب دورًا في تشكيل النخب المثقفة وترويج الفكر العقلاني والعلماني، خاصة عبر النشرات واللقاءات الفكرية.

العلاقة مع المسلمين: لم يُسجَّل انضمام مسلم مغربي للمحفل، لكن بعض المفكرين المسلمين كانوا على تواصل غير مباشر مع أعضائه في مناسبات فكرية أو ثقافية، ما يدل على رغبة المحفل في تجاوز الحواجز الطائفية.

الوثائق المحفوظة: توجد أرشيفات غنية عن محفل ليكسوس في مركز الذاكرة التاريخية في سالامانكا بإسبانيا، حيث جُمعت الوثائق التي صادرتها السلطات الفرانكوية، من بينها: النظام الداخلي، محاضر الجلسات، كتيبات وبيانات مطبوعة.

الدراسات الحديثة: تناولت دراسات أكاديمية حديثة تاريخ هذا المحفل، منها دراسات لباحثين كـ “مانويل دي باز” و”فاليريا أغير بوبي”، وتؤكد جميعها الدور الثقافي الذي لعبه هذا المحفل في شمال المغرب، ورفضه للسلطة الدينية والتسلط السياسي.

خلاصة
مثّل محفل ليكسوس في العرائش أكثر من مجرد تنظيم ماسوني استعماري؛ كان فضاءً اجتمع فيه الجمهوريون الإسبان والمثقفون اليهود المغاربة والليبراليون المستنيرون، من أجل الترويج لأفكار الحرية، المساواة، والأخوة في مدينة كانت ملتقى للحضارات. ورغم قصر عمره، ترك المحفل أثرًا ثقافيًا واجتماعيًا يستحق التذكير والدراسة، خاصة في ظل محاولات المغرب اليوم لاستعادة ذاكرته التعددية.


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.