جريمة تازة.. حين يتحول وجه إيمان إلى مرآة لجرح مجتمع بأكمله

العرائش نيوز:

 صوفيا بناني

لم تكن الشابة إيمان تدري أن لحظة عابرة ستتحول إلى كابوس ينقش ندوبه على جسدها وذاكرة مدينة بأكملها. في شارع بتازة، وفي وضح النهار، باغت طليقها بسلاح أبيض، لتتحول الملامح إلى دماء، واليدين إلى جروح غائرة، والمدينة إلى شاهد صامت على عنف لا ينتهي.

الجريمة التي وصفت بـ”الوحشية” لم تترك فقط آثارها على وجه إيمان، بل أعادت فتح جرح قديم في النقاش العمومي: ما جدوى القوانين إذا كان العنف ضد النساء يتكرر بهذا الشكل المأساوي؟

الصور التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي لم تكن مجرد لقطات صادمة، بل وثائق دامغة لحقيقة مرعبة. الحقيقة أن امرأة مغربية ما تزال عرضة لأن تُطعن وتُشوَّه وتُترك تنزف، رغم كل النصوص القانونية والشعارات المرفوعة.

في المستشفى، ترقد إيمان محاطة بالمسعفين والأطباء. هناك، تحاول أن تستعيد أنفاسها فيما يضغط الجميع على جراحها ليوقفوا نزيف الدم. لكن نزيف السؤال يبقى مفتوحا: من يحمي النساء فعلا؟

شبكة “الرابطة إنجاد ضد عنف النوع” لم تتردد في وصف ما وقع بأنه “فعل إجرامي وحشي” وانتهاك سافر لحقوق النساء في السلامة الجسدية والنفسية. الشبكة طالبت ليس فقط بمحاكمة الجاني، بل بتوفير مواكبة طبية ونفسية عاجلة للضحية، وكأنها تقول إن العقوبة لا تكفي وحدها لردع العنف.

في الشارع الرقمي، ارتفعت أصوات أخرى. هاشتاغات مثل #كلنا_إيمان و #لا_للعنف_ضد_النساء ملأت صفحات التواصل الاجتماعي، حيث تناقل النشطاء صور الضحية كوثيقة احتجاج، لا بهدف التشهير، بل لتذكير الجميع بأن العنف ضد النساء ليس حدثا فرديا بل ظاهرة تهدد المجتمع بأسره.

غير أن النقاش سرعان ما تحول إلى ما هو أعمق: هل يكفي قانون محاربة العنف ضد النساء إذا بقي مجرد ورق بلا تفعيل فعال؟ هل الردع الجنائي وحده يوقف نزيف المعاناة اليومية؟ أم أن الأمر يتطلب إرادة سياسية ومجتمعية لمواجهة جذور العنف، من التربية على المساواة إلى إصلاح المنظومة القضائية وتوفير مراكز إيواء وحماية؟

إيمان اليوم ليست مجرد ضحية جديدة تضاف إلى قوائم الإحصاءات السوداء. إيمان مرآة لنساء كثيرات يعشن في صمت، يخفين جروحا قد لا ترى، وينتظرن لحظة قد يتحول فيها الخلاف إلى طعنة، أو الصمت إلى مأساة.

وبينما تواصل السلطات تحقيقاتها، يبقى السؤال الأعمق معلقا: كم من “إيمان” أخرى علينا أن نفقد قبل أن يدرك المجتمع أن العنف ضد النساء ليس قدرا، بل جريمة جماعية يتحمل الجميع مسؤولية إيقافها؟


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.