العرائش نيوز:
حسام الكلاعي
الفصل الثالت: تأثير التدمير على هوية العرائش
تسبب تدمير التراث المعماري الكولونيالي في العرائش في إحداث تغييرات جوهرية على مستوى هوية المدينة، حيث انعكست هذه التغيرات سلبًا على الطابع الحضري، الجذب السياحي، والاهتمام الأكاديمي. هذا التأثير المتعدد الأبعاد لم يكن مجرد نتيجة للتعديات على المباني الكولونيالية، بل يعبر عن فقدان جزء أساسي من روح المدينة وتراثها التاريخي.
كانت العمارة الكولونيالية في العرائش تعبر عن هوية مميزة تشكلت عبر مراحل تاريخية متعددة، حيث جمعت بين الطراز الأوروبي والتقاليد المغربية المحلية. هذه الهوية كانت تجسد تاريخ المدينة باعتبارها نقطة تلاقي ثقافي وحضاري بين الشرق والغرب. ومع تدمير العديد من المباني الكولونيالية أو تحويلها إلى استخدامات غير ملائمة، بدأت هذه الهوية بالتلاشي تدريجيًا.
تآكل النسيج العمراني التاريخي أدى إلى فقدان التمايز الذي كان يجعل العرائش مختلفة عن المدن الأخرى في المغرب. أصبح المشهد الحضري للمدينة مليئًا بمبانٍ حديثة لا تحمل أي قيمة جمالية أو رمزية، مما أدى إلى طمس جزء كبير من التراث المعماري الذي كان يُعد رمزًا للمدينة ومصدر فخر لسكانها. هذا الفقدان أثر بشكل مباشر على إحساس السكان بانتمائهم التاريخي، حيث أصبح من الصعب رؤية المدينة كحاضرة تمتد جذورها إلى حقبة تاريخية غنية.
تعد العمارة التاريخية عاملًا رئيسيًا في تعزيز السياحة الثقافية، التي تمثل مصدرًا هامًا للدخل الاقتصادي للمدن التاريخية. ومع تدمير المباني الكولونيالية في العرائش، فقدت المدينة جزءًا كبيرًا من قدرتها على جذب السياح الذين يبحثون عن تجربة تجمع بين الجمال التاريخي والعمق الثقافي. كان من الممكن أن تصبح العرائش وجهة سياحية بارزة في شمال المغرب بفضل معالمها الكولونيالية، مثل مسرح إسبانيا و ساحة التحرير و بناية أوطو راديو، لكن تدهور هذه المعالم و هدمها حرم المدينة من هذه الإمكانية.
تراجع الجذب السياحي أدى بدوره إلى خسائر اقتصادية ملحوظة، حيث انخفضت فرص الاستثمار في المشاريع السياحية والتراثية. كما أثر هذا التراجع على الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالسياحة، مثل المطاعم والفنادق والأسواق المحلية. غياب الاستراتيجية التي تربط بين الحفاظ على التراث والتنمية الاقتصادية أدى إلى تضاؤل مساهمة هذا القطاع في تحسين الوضع الاقتصادي للمدينة.
تدمير المواقع التراثية أثر أيضًا على مستوى الاهتمام الأكاديمي والبحثي بالمدينة. كانت العرائش تعتبر واحدة من المدن المغربية التي تحمل إمكانيات كبيرة للدراسات التاريخية والمعمارية، خاصة تلك المرتبطة بفترة الحماية الإسبانية. ومع فقدان العديد من المباني التراثية، تضاءلت أهمية المدينة كحقل دراسي للباحثين والمؤرخين.
أدى فقدان المعالم التراثية إلى تقليل قدرة الباحثين على دراسة وتحليل العمارة الكولونيالية في سياقها الأصلي. كما أن تدهور التراث جعل المدينة أقل جذبًا للمؤسسات الأكاديمية والمشاريع البحثية، مما حرمها من الاستفادة من مبادرات التوثيق والترميم التي كانت يمكن أن تساهم في حماية المواقع المتبقية.
يعد الحفاظ على التراث المعماري الكولونيالي في العرائش مسؤولية مشتركة تتطلب استراتيجيات شاملة تجمع بين السياسات الحكومية، إشراك المجتمع المحلي، ودعم الباحثين والمؤرخين. لضمان حماية هذا الإرث الثقافي للأجيال القادمة، يمكن اعتماد مجموعة من التوصيات التي تهدف إلى معالجة التحديات الحالية وتعزيز الجهود المستقبلية.
4.1. تعزيز السياسات الحكومية
لعبت السياسات الحكومية دورًا محوريًا في تحديد مصير التراث المعماري في العرائش. ولتصحيح مسار التدهور الحالي، ينبغي اتخاذ خطوات حاسمة لتطوير إطار قانوني وتنظيمي شامل يضمن حماية فعالة للمعالم الكولونيالية.
يجب على الحكومة وضع قوانين جديدة تجرّم التعديات على المباني التراثية، سواء بالهدم أو التعديلات غير المصرح بها. هذه القوانين يجب أن تشمل آليات تنفيذ فعالة تضمن الالتزام بها من قبل الجهات العامة والخاصة. إضافةً إلى ذلك، ينبغي تصنيف المباني الكولونيالية كمواقع تراثية وطنية لحمايتها قانونيًا.
تعتبر قلة الموارد المالية من أبرز التحديات التي تواجه جهود الترميم. يجب تخصيص ميزانية سنوية من قبل الحكومة المحلية والوطنية لتمويل مشاريع إعادة تأهيل المباني التراثية. يمكن أيضًا تشجيع الشراكات مع القطاع الخاص والمؤسسات الدولية لتوفير الدعم المالي اللازم.
4.2. إشراك المجتمع المحلي
يلعب السكان دورًا رئيسيًا في الحفاظ على التراث، حيث يمكن تعزيز مشاركتهم من خلال رفع مستوى وعيهم بأهمية المباني الكولونيالية وإشراكهم في مشاريع إعادة التأهيل.
يجب تنظيم حملات إعلامية وتثقيفية عبر وسائل الإعلام والمدارس لتعريف السكان بقيمة التراث الكولونيالي كجزء من هوية المدينة الثقافية. يمكن لهذه الحملات أن تشمل ورش عمل، معارض، وجولات سياحية في المواقع التراثية لتشجيع السكان على التفاعل مع هذا التراث.
يجب أن تكون مشاريع الترميم شاملة وموجهة للمجتمع، حيث يتم إشراك السكان في التخطيط والتنفيذ. يمكن تنظيم ورش عمل مجتمعية لتحديد احتياجات كل منطقة تاريخية ووضع خطط تتناسب مع رؤية السكان ومتطلباتهم، مع ضمان احترام الطابع المعماري للمباني.
4.3. دور الباحثين والمؤرخين
يشكل البحث العلمي والتوثيق أحد الأدوات الأساسية لضمان الحفاظ على التراث الثقافي، حيث يمكن للباحثين والمؤرخين تقديم رؤى متعمقة حول أهمية المباني الكولونيالية وطرق حمايتها.
ينبغي تشجيع الجامعات والمؤسسات البحثية على إجراء دراسات متخصصة حول التراث الكولونيالي في العرائش. يمكن تقديم منح بحثية للباحثين والمختصين لدراسة وتحليل المباني التراثية وتوثيق حالتها الحالية.
يمكن للمؤتمرات والندوات الدولية أن تكون وسيلة فعالة لجذب الانتباه إلى أهمية التراث في العرائش. يمكن لهذه الفعاليات أن تجمع بين الأكاديميين، المسؤولين، والمستثمرين لمناقشة أفضل الممارسات العالمية في الحفاظ على التراث وتطبيقها على المستوى المحلي.
تمثل هذه التوصيات خارطة طريق لتحقيق التوازن بين التنمية الحديثة والحفاظ على التراث في العرائش. من خلال تعزيز السياسات الحكومية، إشراك المجتمع المحلي، ودعم البحث الأكاديمي، يمكن ضمان استدامة المباني الكولونيالية كجزء من هوية المدينة الثقافية والتاريخية. حماية هذا التراث ليست مجرد مسؤولية تاريخية، بل هي استثمار في مستقبل العرائش كوجهة ثقافية وسياحية متميزة.
الجرح الكبير:
سلسلة المقالات حول تأثير التحولات على الهوية الثقافية لمدينة العرائش وضعت اليد على جرح كبير كانت المدينة ولا زالت ضحية له خاصة مع غياب أية مبادرات جادة لتدارك ما يهدد بعض ما تبقى من معالم متميزة لهذه الحاضرة المظلومة… عرائش التاريخ والحضارة تطاولت عليها أيادي أقل ما يقال عنها انها لا تمت بصلة لعالم الثقافة والحس الفني والجمالي للعمران بالمدينة،هذه الأيادي ساهمت ولا زالت في طمس معالم حضارية كانت تشكل رمزا رائعا يمكنه المساهمة في تحويل المدينة لنقطة جذب سياحي متميز،ولعل من ابرز المعالم التي كانت ضحية لهذه الأيادي هو بناية المسرح الاسباني بهندستها المتميزة ونقوشها الجميلة…هذه البناية ابتلعتها شهية المضاربين بتعاون جهلة مسؤولين منتخبين وغير منتخبين يفتقدون لاي حس ثقافي وجمالي وتاريخي…عندما تقف بساحة التحرير وتتأمل النسق المعماري للبنايات المحيطة بالساحة سيقع نظرك على عمارة حديثة يبدو لك مظهر واجهتها نشازا مقارنة مع باقي واجهات عمارات العهد الاسباني،هذه العمارة التي توجد فوق احدى الوكالات البنكية،والتي اعتبر بناؤها خطأ كبيرا لانه كان بالإمكان ترك الواجهة مفتوحة على الشرفة الأطلسية بحيث يستمتع الجالس او المار بساحة التحرير بمنظر البحر في اي وقت،لكن حدث ما حدث فحجب بناء وارتفاع العمارة الرؤية الجمالية…بالساحة أيضا ستجد بناية مكتوب على حديد نوافذها حرفين باللغة الاسبانية هما:”BB”يدلان على أن البناية كانت لوكالة مؤسسة بنكية اسبانية تسمى :Banco de Bilbao…نوافذ هذه البناية ذات الواجهتين آخذة في التآكل بسبب عوادي الزمن وقد كانت سابقا ناديا للموظفين بينما أصبحت حاليا مكانا تمتلئ جوانبه بمختلف القاذورات الحيوانية والبشرية…ان سلسلة المقالات هذه تثير في نفس كل غيور على واقع مدينة العرائش أسى وحسرة كبيرين خاصة لمن عايش اندثار معالم تاريخية كانت تساهم في تشكل هوية ورمزية المدينة وجاذبيتها…وانا أستغرب كيف لا تتحرك اللجنة الثقافية بالمجلس الجماعي وتبادر الى اقتراح اتخاذ مبادرات لتثمين التراث العمراني للمدينة في أفق الحفاظ على ما تبقى منه بشراكة مع مختلف الفاعلين المعنيين…العرائش تستحق ان تكون احسن مما هي عليه حاليا…العرائش جميلة ورائعة فلا تقتلوا جمالها روعتها… ارفعوا الظلم عنها لتنهض من جديد وتتحول الى عروس للمحيط الأطلسي…العرائش ليست بأسطورة الامس والغد،بل هي جوهرة تحتاج لمن يفتح قوقعتها لاظهار فتنتها…فالأساطير تبقى اساطير يختلط فيها الخيال بالحقيقة،بينما العرائش حقيقة ثابتة وبارزة عبر التاريخ…