العرائش نيوز:
بقلم، مصطفى الفرجاني
- أصل المشكلة:
منذ أكثر من خمسين سنة لازالت لقطة تدبير خليفة القائد وأعوان السلطة بجماعة أربعاء عياشة بإقليم العرائش، وبمشاركة ودعم من رئيس الجماعة حينها، وبالضبط بمدشر حجرة الكرني، تلك الصورة لم تفارق ذهني، بل لازالت تشكل حديث الكبار اليوم الصغار حينها، حيث آليات الحفر والهدم تُعمل قدرتها لتشطيب كل السياج الطبيعي الذي أحاط به عدد من ملاكي مجموعة من “الجْنَانات” أو بلغة أهل البلد “الغْراسي”، لتحولها بعد ساعات إلى فضاءات مفتوحة لا سياج ولا حدود لها، وليشكل بذلك تمهيدا لاعلانها “أرض جماعية” وبلغة القانون “أرض سلالية أو أراضي الجموع”، وتتحول بقهر رجل السلطة وتواطئ رجل السياسة أرضا مشاعا للجميع، وانتهاك حق أسر شكلت فروعا لتسع أسر ملكت هذه العقارات منذ خمسينيات القرن الماضي.
لم تنفع توسلات نسوة الدوار ولا رجاء ملاكو هذه الأرض ومتمنياتهم على رجال السلطة أن يتورعوا عن انتزاع حقوقهم، إصرار شيوخ المدشر لم يزد المظلومين إلا مضاعفة القهر والاذلال حتى وصل الأمر إلى اعتقال ثلاث من أصحاب هذا العقار والحكم عليهم بعقوبة سجنية نافذة، ليبدأ بذلك مسلسل حرمان من حق مع سبق الإصرار والترصد، سيقول قارئ وما فائدة هذا الحكي؟ أو لعل هذا حكي من التاريخ، أو تأريخ للحظة مضت وانتهت، والحقيقة أن استدعاء هذه اللحظة ليس لأنها صارت من التاريخ، ولكن الواقع أن هذه المعاناة لازالت مستمرة في الزمان والمكان مع اختلاف شخوصها.
ولأن الجيل الأول وفرعهم الأول من ملاكي هذا العقار قد التحقوا بربهم، وبدأ فرعهم الثاني في اللحاق بهم، بينما ظلت وزارة الداخلية داعمة لمن ينصبون أنفسهم ممثلين للجماعة السلالية، كما عاد الفاعل السياسي ممثلا في شخص رئيس الجماعة والذي يالغرابة الزمان ما هو إلا ابن أخ رئيس الجماعة “لهنا” حينها، إنه الشاب المتعلم والمفروض أن يكون ملما بالحقوق المحمية دستورية وقانونيا، إلا أنه يأبى إلا أن يمارس التضليل، بما في ذلك تضليل العدالة.
- اللجوء إلى القضاء، مسار طويل ومتعب لكنه منصف:
لم يكن لدى آبائنا خيار سوى اللجوء إلى المساطر القضائية بعد أن يئسوا من كل الاتصالات المركزية والجهوية والإقليمية حينها، من أجل استرجاع حقوقهم، وقد تزامن اقتناعهم بالحل القضائي بعد الانفراج السياسي الذي شهدته بلادنا مع المنتصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، وهو ما مكننا من استصدار أحكام أرجعت الحقوق لأصحابها؛ حيث صدر قرار نهائي من طرف المجلس الأعلى بتاريخ 17 ماي 2001 في ملف عدد 1491-3-2-99، قضى برفض طلب النقض، وبالتالي إقرار حكم محمكة الاستئناف بطنجة بتاريخ 1 أبريل 1999 قرار رقم 55-96-8 والذي أيد بدوره حكم المحكمة الابتدائية بالعرائش بتاريخ 16 أبريل 1996 في ملف رقم 51-94-3 حكم عدد 245 والذي قضى “بالحكم على المدعى عليه نائب الجماعة الصغرى بالتخلي لفائدة المدعين عن القطعة الأرضية المسماة بنسالم…وبالحكم باستحقاق المدعين للقطعة الأرضية المذكورة تحت غرامة تهديدية قدرها 50 درهما عن كل يوم تأخير عن التنفيذ وبتحميله الصائر”، وقد تم تنفيذ هذا الحكم بتاريخ 20-03-2000 ، هذه المراجع القضائية كانت مدخلا لاستصدار أحكام قضائية أخرى في مواجهة أطراف متعددة بما في ذلك وزارة الداخلية بصفتها وصية على الأملاك السلالية.
إننا إذن أمام نزاع حسمه القضاء نهائيا رغم العديد من محاولات القفز من قبل بعض من منتسبي المدشر ممن جعلوا السطو على ممتلكات الغير مدخلا للاغتناء، لكن مواجهة هؤلاء قد تم حسمها في نزاع جنائي آخر تمكن أحد ملاكي جزء من العقار السالف الذكر من متابعتهم قضائيا وتحرير ملكه من سطوتهم والحكم عليهم بأحكام حبسية نافذة وأخرى موقوفة التنفيذ وغرامات، لكن مشكلتنا ليست في مواجهة أشخاص لا حق لهم بمقتضى رسوم الملكية التي في حوزتنا والأحكام القضائية التي أيدت استحقاقنا للعقار، لكن مشكلتنا في مواجهة إدارة تمتلك كل وسائل السلطة القانونية والمادية.
- إدارة تفكر بمنطق الإرهاق والاعياء
رغم كل ما سبقت الإشارة اليه آنفا من امتلاكنا لأحكام وقرارات أنصفتنا من ظلم الأغيار وسطوة بعض رجالات السلطة، فقد لجأت مصالح وزارة الداخلية إلى عدد من الإجراءات سهلت السطو من جديد على ممتلكاتنا خارج كل النصوص التشريعية، فباستثناء حوالي 3300 متر مربع التي كانت موضوع تفويت بالتراضي بيننا وبين الجماعة الترابية لعياشة، وبثمن رمزي عادل التكاليف القضائية لمسار طويل من المنازعة القضائية، فقد تم بناء إعدادية وداخلية ومدرسة جماعاتية من قبل وزارة التربية الوطنية، للأسف الشديد كانت موضوع تدشين من قبل وزير القطاع المعني دون أن يتساءل هو وفريقه الإداري عن مدى احترم المساطر الإدارية في إنشاء هذا المشروع، رغم مراسلاتنا المتكررة له والتي لم تلقى أي جواب في تجاوز لكل القوانين المؤطرة للحق في التشكي، وقد سبق للجماعة في عهد الرئيس السابق أن عمدت إلى بناء مرفقين دون احترام المساطر القانونية كذلك، كما تم تفويت قطعة أرضية لكل من بريد المغرب واتصالات المغرب من قبل مصالح عمالة العرائش، شكلت موضوع دعوى قضائية أفضت الى الحكم بصحة تعرضنا على مطلب المؤسستين بتحفيظ البقعة الأرضية والذي صدر بتاريخ 24 يونيو 2024، قضى بتأييد الحكم المستأنف والذي أقر بصحة تعرضنا على مطلب التحفيظ المشار اليه سابقا.
لكن تبقى كارثة كوارث إدارتنا المفروض أن تكون أول من يحترم الأحكام والقرارات القضائية الصادرة باسم صاحب الجلالة، لجوئها إلى الالتفاف حولها والتملص منها وعدم الإذعان لمنطوقها، في تجاوز صارخ لحكم دستوري منصوص عليه في المادة 126 “الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع”، إذ أقدمت مصالح عمالة العرائش (بصفتها وصية على أراضي) على التقدم بمطلب لتحفيظ العقار موضوع أحكام قضائية حائزة لقوة الشيء المقضي به، كما تم الاعتداء على هذا العقار بمناسبة تنفيذ مشاريع وفرت لها الدولة كافة الموارد المالية لتنفيذها، بما في ذلك تعويض أصحاب الأراضي المنفذ فوقها هذه المشاريع، كما أن مجلس الجماعة لجأ إلى تشييد حديقة على نفس العقار دون سلوك مسطرة نزع الملكية، علما أنه ينفي بطريقة لا تليق برئيس جماعة منتخب ويؤدي مهمة عمومية مفروض فيه الاستقامة والنزاهة، إذ أولى موجباتهما الإقرار بما يباشره من أشغال على الرغم من كونها تتوافق وتصميم النمو إلا أنها لم تحترم المساطر في سواء من جهة نزع ملكية العقار تبعا لقانون نزع الملكية لأغراض المنفعة العامة، أو من جهة تشييد المرفق العمومي تبعا للنصوص التشريعية الناظمة للتعمير، وأما التهرب ونفي العلاقة بالمشروع وتحميلها للوكالة الحضرية فإن دارس القانون في سنته الأولى سيكتشف الزلة والخطأ إن لم تكن خطيئة، خاصة وأن الرئيس ونوابه يعترفون علنا أنهم هم من وراء هذا المشروع، وثانيا شركاؤه يقرون أن الجماعة هي المسؤولة عن تنفيذ التشييد، وأخيرا فإن اختصاص الحدائق هو اختصاص ذاتي للجماعة وفق المادة 83 من القانون التنظيمي للجماعات الترابية، وأخيرا فإن رخص التعمير من اختصاص رئيس الجماعة، علما أن الحديقة توجد مباشرة قبالة مقر الجماعة.
- انعدام المسؤولية الجنائية الشخصية عن الأخطاء الإدارية أو سوء استعمال السلطة
في تقديري هذا السلوك ينم عن أمرين اثنين:
أولا، السعي لحرمان مواطنين بسطاء من حقوق التملك كما يحميها الدستور والقانون باستعمال كل وسائل امتلاك السلطة المادية والأدبية،
ثانيا، توفير وسائل ضدا على كل الضوابط القانونية من أجل استثمارها في الدعاية السياسية ضدا على مصالح وحقوق الناس المغلوب على أمرهم.
لكن قطعا وبالنظر لتجربتنا مع السلطة القضائية وبحكم ما شهدناه من نزاهة في إرجاع الحقوق لأصحابها مطمئنين ومرتاحين لما ستؤول إليه تقاضينا في مواجهة مصالح وزارة الداخلية والجماعة الترابية ومجموعة نقابة الخير، التي لم نسلم من اعتدائنا على عقارنا، إلا أنه وللأسف نسجل أننا إزاء منكرين وظلمين طالنا، الأول حرماننا من حقوقنا لسنوات طوال واليوم انهاء حق تملكنا لعقارنا، وثانيا، إدخالنا في دهاليز المساطر والإجراءات التي تطيل استفادتنا من حقوقنا المشروعة، وهو انتقام ثان ينضاف الى الانتقام عبر تصميم نمو مركز عياشة، حيث تخصيص أحسن القطع بعقارنا لإقامة مرافق عمومية، على الرغم أنه كان بالإمكان توزيع تحمل هذه المرافق على مختلف العقارات المتواجدة بتراب الجماعة عملا بأحكام الدستور في فصله 40 “على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد…”، علما أنه سبق أن منحنا الجماعة مساحة معتبرة أقامت عليها على الأقل أربع مصالح إدارية بثمن رمزي دفعا من جهتنا بقاطرة التنمية للجماعة.
مع تأكيدنا أننا لا زلنا على استعداد لبيع جزء من عقارنا لإقامة مرافق عمومية بأقل مما تم به في جماعة مماثلة، وهي الرسالة التي وجهتها مباشرة لمديرية التربية والتكوين بمناسبة مناقشة إمكانية تشييد ثانوية بالجماعة، لكن البعض يختار الطريق الصعب لإرهاق المواطنين، لكن في المقابل سيكلف ميزانية الجماعة ما لاطاقة لها به.
كما أنه ومادام لم يتم بعد إقرار المسؤولية الشخصية للموظف والمسؤول جراء تكليفه الإدارة خسائر جراء سوء تقديره فإن موظفينا ومسؤولينا سيظل تعاطيهم باستهتار مع حقوق المواطنين، على أمل أن نعتمد يوما قاعدة المسؤولية الشخصية للموظف لما قد يلحق إدارته من ضرر جراء سلوكه غير القانوني.
خلاصة القول، قدرنا أن عائلات امتلكت ذات يوم عقارا له موقع هام، ورفضوا المساومة عليه مع بعض سراق الوطن في زمن ولى وانتهى، وكُتب عليهم أن يظلوا نصف قرن وزيادة محرومين من استغلاله استغلالا تاما، وشاء قدرهم أن يتسلط عليهم مسؤولون ترابيون ومنتخبون حرموهم مرات عدة، مرة حين سُلب منهم من دون وجه حق، وثانيا باعتماد تصميم نمو مجحف، وثالثة بالتطاول على العقار دون سلوك المساطر المنصوص عليها دستورا وقانونا.