العرائش نيوز:
لم تعد حرب الطرقات في المغرب مجرد حوادث عابرة تسجل في محاضر الأمن وتنتهي بتقارير تقنية باردة، بل أصبحت مأساة يومية تنزف معها الأرواح وتراق فيها الكفاءات، لتذكرنا في كل مرة بأننا ما زلنا نعيش في زمن الفوضى على الإسفلت، رغم كل الشعارات والمخططات والاستراتيجيات الوطنية للسلامة الطرقية.
حادثة الأمس الثلاثاء 04 أكتوبر 2025 على الطريق السيار الرابط بين المحمدية وتمارة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، لكنها كانت صادمة بكل المقاييس. فقد أودت بحياة محام معروف، بعدما تحولت لحظة سفر عادية إلى فاجعة مروعة تسببت في شلل مروري دام أكثر من ساعة ونصف، وكشفت مجددا هشاشة السلوك الطرقي لدى فئة واسعة من مستعملي الطريق، إلى جانب بعض النقائص التقنية في البنية التحتية والمراقبة، وهو ما يجعل “حرب الطرقات” في المغرب معركة لم تحسم بعد.
المغرب الذي نجح في تشييد بنيات تحتية كبرى وجسور وموانئ وطرق سيارة، ما زال يخسر كل يوم خيرة أبنائه بسبب تهور، وسرعة، ولا مبالاة، وضعف في المراقبة أحيانا، ورداءة في بعض مقاطع الطرق أحيانا أخرى. إنها حرب حقيقية بلا هدنة، طرفها الأول الإنسان، وطرفها الثاني ثقافة طريق لم تكتمل بعد.
هل يكفي أن نضع لافتة “احذر السرعة تقتل” أو أن نطلق أسبوعا للتحسيس بين الحين والآخر؟
هل يكفي أن نتحدث عن الرادارات الثابتة والمتحركة، بينما تنعدم في بعض المقاطع أبسط شروط السلامة؟
المثير في هذا السياق أن هذه الحوادث تتزامن مع استعداد المغرب لاحتضان كأس إفريقيا للأمم 2025 ومونديال 2030، وهو ما يجعل من أمن الطرقات وسلامة التنقل قضية وطنية ذات أولوية قصوى، ترتبط بصورة البلاد أمام العالم بقدر ما ترتبط بحياة المواطنين. إن معركة الطرقات في المغرب اليوم هي معركة وعي وثقافة ومسؤولية. فبلد يحلم بالريادة الإفريقية والعالمية لا يمكن أن يظل رهينة هذه الفوضى الدموية على طرقه.
لقد حان الوقت لربط المسؤولية بالمحاسبة، ليس فقط للسائقين، بل أيضا لكل جهة مسؤولة عن التخطيط، والمراقبة، والبنية التحتية، والتربية الطرقية.
إن إنقاذ الأرواح على الطرقات هو امتحان حقيقي لمدى نضج المجتمع، وقدرته على مواكبة طموحاته التنموية والرياضية الكبرى، في مغرب يتطلع لأن يكون نموذجا في الحياة… لا في الموت على الإسفلت.
