العرائش نيوز:
سياسيون واسعون بقشابات ضيقة
منذ مدة والوزير عبدالعزيز الرباح يعيش في ما يشبه جنون ارتياب (Paranoïa) من الصحافة، إلى درجة أنه في آخر خرجة له جمع ما لا يُجمع من الجرائد والمواقع، معتبرا أنها تناست خلافاتها واتفقت عليه وعلى حزبه. وهذا الهذيان، بقدر ما يكشف عمق أوهام الرجل، يعزل به نفسه كخصم شخصي لجرائد ومواقع ظلت أغلبها تتعامل معه ككل السياسيين ومع حزبه كباقي الأحزاب، سواء بالنقد أو حتى بـ”النفخ في الكير” بتعبيره هو.
الشيء نفسه بالنسبة إلى إدريس لشكر الذي علق كل مشاكله على الصحافيين، الذين قال إنهم يتقوَّلون عليه، ويؤولون تصريحاته على هواهم، ويهوِّلون من الوضع داخل حزبه، ويطرحون عليه فقط، الأسئلة المستفزة…
سياسيان مثل إدريس لشكر وعبدالعزيز الرباح، بحكم النقد القاسي الذي يتعرضان له داخل حزبيهما، مع تشكيك مناضليهما، قبل الخصوم، في نواياهما وولاءاتهما، لم يجدا من حل سوى اختلاق عدو بدون سلطة حقيقية. وبما أنهما من النوع الذي يُشل لسانه ويَجمد عند الحديث عن “التحكم” و”الدولة العميقة”، فإنهما وجدا في الصحافة مشجبا قصيرا يعلقان عليه “قشابتهما” الضيقة والمليئة بالثقوب.
الرباح الذي وصفه بنكيران بأن فيه “l’avance”، وخاطبه محذّرا: “قضيتك احماضت أ الرباح.. شد الصف”. وإدريس لشكر الذي لا يمر شهر دون أن ينفَضَّ من حوله عضو (ة) من المكتب السياسي أو اللجنة الإدارية، ويحمله مسؤولية قتل الاتحاد الاشتراكي والتمثيل به… أدارا ظهريهما لمشاكلهما الداخلية وصوّبا بنادقهما نحو الصحافة. فعندما نقل صحافي “ميدي 1 تي في” يوسف بلهايسي، قبل أيام، أسئلة أعضاء المكتب السياسي الـ10 الغاضبين على لشكر إليه، أثنى عليهم وقال إن من حقهم أن يقولوا ما يقولونه عنه ويقوموا بما يقومون به ضده، ثم التفت إلى الصحافي ليفرغ فيه كل الغيظ الذي كظمه تجاه معارضيه، في محاولة لن يصدقها أحد، للظهور بمظهر أب كل الاتحاديين والزعيم الديمقراطي المتفهم للاختلاف، فوصَف زملاء الصحافي بالملوثين والصحافة بالتضليل. الأمر نفسه بالنسبة إلى الرباح، فعندما ضبطته البرلمانية آمنة ماء العينين يطعنها من الخلف قبل حتى أن تهضم الطعام والكلام الذي شاركته مع الرباح، خرج يرتعد ويقول: “لن أعطي فرصة لصحافة الصدام لتنفخ في الكير، فهي لا يهمها الحزب ولا الأخ الأمين العام بنكيران”. طبعا الصحافة لا يهمها حزبك ولا أخوك الأمين العام. فهل كنت تعتقد أن الصحافيين الذين تحدثوا باحترام عن بنكيران يقاسمونه أفكاره؟ لا يا سيدي، هم فعلوا ذلك لأن بنكيران، ببساطة، رجل لا يريد الزبدة وثمن الزبدة مثلك.
مرة قال لي مسؤول سياسي: أنتم الصحافيون لا تنظرون إلا إلى النصف الفارغ من الكأس. أجبته: صدقت، لأن النصف الممتلئ “شغلك” المنتظر منك، فهل تنتظر من الصحافيين أن يكسروا أقلامهم ويتبعونك بالطبل والغيطة؟ الصحافي ينظر إلى النصف الفارغ من كأس السياسة والتدبير العمومي بالمتابعة والنقد، لينبه المسؤول إلى أنه وُجد لملئه. لكن سياسيين من نوع الرباح ولشكر، كلما كبرت طموحاتهم الشخصية، ضاقت قشابة تحملهم للنقد وتمزقت، فيصرخون: “لقد قُدَّت مِن دُبرٍ” والفاعل الصحافة
سليمان الريسوني اليوم

