العرائش نيوز:
– عبد الله المجذوبي
لم يكن هناك ما يعكر صفو حياتنا ،هدوء تام يسود المدينة والناس تعيش في سلم وسلام.كل شيء على ما يرام شوارع نظيفة وحدائق غناء،كان لدينا كل شيء يتمناه الأخرون، حيث موقع مدينتنا سال له لعاب المستعمر عبر عصور من الزمن،بحر ونهر وغابة وسهول خضراء تسر الناظرين.فجأة سينزل علينا زوار من كوكب أخر هم شباب أمريكي وأوربي جاؤوا فارين من حياة الرفاهية والكماليات ومن عالم السرعة تاركين ورائهم كل مالذ وطاب ولايرغبون سوى في حياة هادئة مطمئنة بعيدة عن كل وسائل التكنولوجيا ومظاهر التقدم.
في أواخر الستينات من القرن الماضي ظهرت حركة شبابية تدعو للسلم والتحرر والعودة للحياة البسيطة وأطلق عليها أنذاك ( الهيبيز)،شباب أطلقوا شعورهم لغاية أكتافهم يلبسون لباسا ملونا وغريبا وينتعلون أحدية خشنة ولايحملون معهم متاعا كثيرا ،يسافرون من مدينة إلى أخرى ومن دولة إلى دولة لايؤمنون بالحدود ولا الحواجز وغالبا ما تجدهم في جنبات الطريق ينتظرون من يأخذهم إلى وجهتهم عن طريقة( أوطو سطوب) ويستقرون أينما طاب لهم المقام فأحيانًا بالشاطئ أو الغابات و أحيانا أخرى تجدهم نائمون على الأرصفة .
لايهمهم نظرة الناس لهم فهم غالبا ماكانت عقولهم مخملة بالحشيش المغربي والذي كان من الأسباب الرئيسية لقدومهم إلى المغرب وخصوصا منطقة الشمال وكانت العرائش عاصمة الهبيز بإمتياز في أواسط السبعينات من القرن الماضي ،سرعان ما إندمج شباب المدينة مع هؤلاء الوافدين من الهبيز وأطلقوا العنان لشعورهم لكي تطول تشبها بهؤلاء وتم تقليدهم في لباسهم الفضفاض.كانوا هؤلاء النصارى الوافدين إلينا ليسوا بأميين بل كانوا منهم الأطباء والمهندسين والكتاب والأدباء وأبناء الأغنياء الهاربون من حياة النعيم والرفاهية إلى حياة البساطة والتقشف .في أول الأمر لم يتقبل أولياء الأمور والسلطات الوصية هذه الوضعية فحاربوا أبناءهم بما أوتوا من قوة بردهم إلى طريق الصواب وخصوصا أن الهبيز كانوا يدعون للتحرر من كل شيء بما فيها العقيدة الدينية ويشجعون على حرية العلاقات الجنسية العابرة .
إندمج العديد من الشباب في هذه الظاهرة الوافدة من الغرب و إستسلم الأباء للأمر الواقع وتركوا أبناءهم يفعلون ما يريدون حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا .و إبتهجت السلطات الأمنية بقيادة الوزير الجلاد إدريس البصري وغضت الطرف عنهم ماداموا لايشكلون خطرا أمنيا ومادام همهم الوحيد هو الموسيقى والحشيش والعزلة وعدم الاختلاط مع الناس العاديين.في هذه الفترة ستظهر مجموعات غنائية عرائشية تغني الغناء الغربي وخاصة موسيقى الروك والبلوز وهيفي ميطال وغيرها متشبهة بمجموعة بيتلز الإنجليزية التي إستطاعت إستقطاب الملايين من الشباب حول العالم والمتعطش للحرية من الرأسمالية المتوحشة ،وكان من بين أهم المجموعات فرقة الفلاير العرائشية المختلطة من المغاربة وبقايا أبناء الإسبان والذي معضمهم سيهاجر إلى أوربا ونذكر منهم العازف الماهر سي محمد أخريف الذي سيشارك مع أكبر الفرق الموسيقية العالمية ولا ننسى تلك المجموعة الشهيرة ليكسوس للإخوان بن كبور والتي داع صيتها بشمال المملكة بل سجلوا بعض أغانيهم بالتلفزة المغربية وما أدراكما التلفزة المغربية أنذاك.كان الهبيز العرائشيين لهم أماكن خاصة يجتمعون بها ونذكر على سبيل المثال مقهى با عبدالقادر برأس الرمل نهارا وبمقهى كارميلو المجاورة لمعمل إيماصا ليلا وتجدهم كذلك في الحدائق وغالبا في الشرفة الأطلسية.
في الحقيقة إنهم أناس مسالمون يدعون للسلم والسلام ومحبون للقراءة والإستماع إلى الموسيقى وتعلم اللغات الأجنبية للتواصل مع الشعوب الأخرى ورغم تمردهم إستطاعوا أن يوصلوا إسم مدينة العرائش إلى العالمية ،فكثر زوارها من كل حدب وصوب وساحة التحرير شاهدة على تلك الجحافل من السياح التي كانت تحج إلى العرائش على طول السنة ومن أهم الوجوه الهيبية المعروفة بالمدينة أنذاك الأخوين إدريس وخالد بالعزيز والعربي الگطي والحسين باعدي ومصطفى الهيبي المعروف بسيارته العجيبة سيمكا والتي حولها إلى سيارة السباق حيث غير شكلها وقوة محركها تماما والقائمة طويلة من مريدي هذه الظاهرة الدخيلة على مدينتنا الهادئة .في هذه اللحظة ستظهر فرقا موسيقية تأدي الغناء الغربي مثل الروك والبلوز والهيفي ويطال وغيريها من اللون الغربي وسنتوقف قليلا عن أول فرقة وهي الذباب وكانت تجمعت كل من:فاروق الجباري/العربي غريبية/محمد أخريف/أحمد الجباري/والإسباني نيكولاس أغلبهم هاجروا إلى أوروبا ومنهم من يزاول الموسيقى الإحترافية مثل محمد أخريف الذي يلعب مع عتاد هذا الفن في أوستراليا والعربي غريبية ببرجيكا.كانت هذه المجموعة تنشط ما بين ألف وتسعمئة وستون إلى غاية ألف وتسعمئة وسبعون بكل من كاسا إسبانيا والمهرجانات والفنادق بطنجة وتطوان والرباط وغيرها من المدن وكان لهم جمهور عريض.
بعدها سيأتي الدور على فرقة ليكسوس من سنة ألف وتسعمئة وسبعون إلى غاية ألف وتسعمئة وتمانون والتي كان يمولها الحاج بن صالح الرجل الثري وصاحب مقهى ومطعم ليكسوس الشهير كما كانت تضم هذه المجموعة كل من عبد الرحيم الزعايمي/محمد الوطني/فوفو وهو شاب يهودي عرائشي إسمه مخلوف صباح/والإسباني طوني،وهم كذلك كان لهم باع طويل في هذا الميدان الغنائي الغربي ومعظمهم كذلك يعيش خارج أرض الوطن .اخيرًا لا يسعني سوى أن أشكر الأخ والصديق عبد الرحيم الزعايمي الذي يعيش ببورطو ريكو بأمريكا والذي زودني وساعدني بالصور والمعلومات عبر الهاتف وبفضله تمكنت من معرفة من مات منهم والذين مازالوا على قيد الحياة رغم غيابه الطويل عن أرض الوطن لمدة تزيد عن أربعة وثلاثون سنة.(أما الأن فقد تبخر كل شيء جميل بالعرائش).
عن صفحة :
Abdul almajdiubi