حول المقاومة المغربية في مدينة العرائش عبر العصور

العرائش نيوز:

– حسام الكلاعي
مقدمة
مدينة العرائش تقع على الساحل الأطلسي لشمال المغرب عند مصب نهر اللوكوس، مما أكسبها موقعًا استراتيجيًا هامًا عبر التاريخ. جعلها هذا الموقع مطمعًا للقوى الأجنبية منذ القدم، لكن المغاربة أبدوا مقاومة باسلة للدفاع عنها في كل مرحلة. يسلط هذا التقرير الضوء على تطور المقاومة المغربية بشكل عام، وبخاصة دور سكان مدينة العرائش ونواحيها، في التصدي للقوات المعادية التي حاولت احتلال المدينة أو احتلتها بالفعل عبر العصور. سنستعرض ذلك عبر المراحل التالية:
مرحلة ما قبل الاستعمار: محاولات الاحتلال القديمة (الفينيقية، الرومانية وغيرها) وصولاً إلى أوائل الأطماع الإيبيرية.
مقاومة الاحتلال البرتغالي (القرنان 15 و16): بما في ذلك معركة العرائش الكبرى سنة 1578م (معركة وادي المخازن).
فترة الاحتلال الإسباني (1610–1689): احتلال العرائش أوائل القرن السابع عشر وكيف واجه السكان والسلاطين ذلك حتى استرجاع المدينة سنة 1689م.

فترة الحماية الفرنسية والإسبانية (1912–1956): أشكال النضال السياسي والمسلح في شمال المغرب، ودور العرائش ونواحيها في المقاومة حتى الاستقلال.
سنستعرض في كل مرحلة الخط الزمني للأحداث، وأهم القادة والقبائل والزوايا التي ساهمت في المقاومة، ودور السكان المحليين وتعاونهم مع السلطة المركزية، مع إبراز أهمية العرائش الجغرافية والاستراتيجية. وتم دعم المعلومات بمراجع تاريخية موثوقة قدر الإمكان.
المقاومة قبل الحقبة الاستعمارية
تُعتبر العرائش من أقدم مدن المغرب، وعرفت تعاقب حضارات قديمة كالفينيقيين والقرطاجيين ثم الحكم الروماني خلال العصور القديمة. فقد أُنشئت مستعمرة ليكسوس الشهيرة قرب موقع المدينة الحالي كشاهد على عظمة تاريخ المنطقة القديم. تكشف الحفريات في ليكسوس عن آثار فينيقية ورومانية تدل على وجود أجنبي مبكر، إلا أن انهيار الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي أنهى تلك السيطرة القديمة. خلال تلك الفترة الطويلة، قاومت القبائل الأمازيغية المحلية بدرجات متفاوتة محاولات السيطرة الأجنبية وظلّت محافظة على هويتها. مع دخول الإسلام في القرن السابع الميلادي، أصبحت المنطقة جزءًا من دولة المغرب الإسلامية وتعاقبت عليها الدول المغربية المتعاقبة. لم تسجل المصادر حروبًا كبيرة في العرائش خلال العصر الوسيط المبكر، وظلت المدينة في كنف السلاطين المغاربة. لكن مع أواخر العصور الوسطى وبداية العصر الحديث (القرن 15م)، برزت الأطماع الإيبيرية (البرتغالية والإسبانية) على سواحل المغرب الشمالية. بدأ البرتغاليون والإسبان سلسلة حملات لاحتلال الثغور الساحلية بعد سقوط الأندلس، وخصوصًا بعد احتلال البرتغال لسبتة سنة 1415م ثم طنجة وأصيلة في العقود اللاحقة. وفي هذا السياق ظهر اهتمامهم بمدينة العرائش نظرًا لموقعها القريب من أوروبا وإشرافها على المحيط الأطلسي. تشير المصادر إلى أن حملات البرتغاليين والإسبان على العرائش توالت منذ أوائل القرن الخامس عشر، وظلت شعلة المقاومة متقدة في نفوس سكان المدينة رغم تلك التهديدات. برز دور العرائش كخط دفاع أمامي للمغرب في وجه هذه الأطماع. فقد اعتبرها السلاطين المغاربة “درعًا واقيًا وحصنًا منيعًا” تصدى للغزاة على مر القرون. واجهت المدينة محاولات مبكرة من البرتغاليين لبناء موطئ قدم قربها، مثل محاولة بناء قلعة في جزيرة المليحة (غراسيوزا) عند مصب نهر اللوكوس سنة 1489م. تمكن المغاربة في عهد الوطاسيين من محاصرة تلك القلعة وإفشال المخطط البرتغالي، مما اعتُبر حينها هزيمة كبيرة للبرتغال. وقد واصل البرتغاليون والإسبان محاولاتهم خلال القرن السادس عشر، لكن بسالة المقاومة المغربية حالت دون تمكنهم من احتلال العرائش في هذه الفترة المبكرة.


مقاومة الاحتلال البرتغالي في القرن الخامس عشر والسادس عشر
مع ازدياد الأطماع البرتغالية في سواحل المغرب، استهدفت عدة حملات مدينة العرائش ومصب نهر اللوكوس. ويمكن تلخيص أبرز محاولات الغزو البرتغالي وتصدي المغاربة لها كما يلي:
1489م: أقام البرتغاليون حصنًا في جزيرة المليحة قرب العرائش أملًا في اتخاذها قاعدة لاحتلال المدينة، لكن السultan محمد الوطاسي سارع بحشد القبائل المحلية وتمكن من محاصرة الحصن وإجبار القوات البرتغالية على الاستسلام والجلاء. عُرفت هذه الواقعة بحصار غراسيوزا وكانت انتصارًا مغربيًا مهمًا حفظ العرائش من الاحتلال في ذلك الوقت.


1504م و1508م: حاول البرتغاليون مجددًا مهاجمة العرائش وإنزال قوات، فقوبلت حملاتهم بمقاومة عنيفة من الحامية والسكان أدت إلى صدّهم وإفشال تلك المحاولات.
1575م: جهّز ملك البرتغال سيباستيان حملة بحرية ضخمة لاحتلال العرائش والسيطرة على الساحل الأطلسي الشمالي. نزلت قوات برتغالية عبر البحر قرب العرائش في خطة لاحتلالها، إلا أن ذلك استنفر المغاربة بقيادة الدولة السعدية للدفاع. سارع السلطان عبد الملك السعدي وأخوه أحمد المنصور الذهبي لحشد الجيوش، ووقعت المواجهة الحاسمة في سهل وادي المخازن (قرب القصر الكبير على بعد حوالي 30 كم من العرائش) سنة 1578م. وهذه المعركة تُعرف تاريخيًا بـمعركة وادي المخازن أو معركة الملوك الثلاثة، حيث انتهت بانتصار ساحق للمغاربة ومقتل ملك البرتغال وحلفائه، وفشل محاولتهم في احتلال المنطقة. شكّلت هذه المعركة محطة فاصلة حافظت على سيادة المغرب ومنعت سقوط العرائش وسواها في يد البرتغال.
في هذه الفترة تميزت شجاعة القبائل المحلية في الهبط وجبالة بمساهمتها في صدّ الغزوات. بل الأكثر من ذلك، قام المغاربة أحيانًا بنقل المعركة إلى أرض العدو. فبحسب بعض المصادر، قام القائد العروسي (نسبة إلى قبيلة بني عروس في نواحي العرائش) بقيادة أسطول محلي من العرائش والقصر الكبير للإغارة على سواحل البرتغال نفسها، وبلغت سفنه مدينة فارو في جنوب البرتغال خلال القرن السادس عشر. كانت هذه الخطوة جريئة وفريدة في تاريخ تلك المرحلة، وأثبتت قدرة المغاربة على مبادرة الهجوم دفاعًا عن بلادهم وردعًا لأطماع البرتغاليين. وهكذا يمكن القول إن القرن الخامس عشر والسادس عشر شهدا سلسلة من الكر والفر، نجح فيها المغاربة في الحفاظ على مدينة العرائش وحمايتها من الاستعمار البرتغالي بفضل تكاتف السلطان والقبائل المحلية وتحت لواء الجهاد البحري والبري.
فترة الاحتلال الإسباني (1610–1689)
مع مطلع القرن السابع عشر ظهرت أطماع إسبانيا بشكل مباشر في العرائش. فبعد أفول نجم البرتغال إثر هزيمتها في وادي المخازن واتحاد التاجين الإسباني والبرتغالي (1580م)، ركز الإسبان جهودهم على انتزاع الموانئ المغربية. حاول الإسبان احتلال العرائش عامي 1607–1608م عبر حملة عسكرية ولكنها باءت بالفشل. ثم سنحت لهم الفرصة سنة 1610م نتيجة الصراعات على الحكم داخل الدولة السعدية: حيث استعان الأمير السعدي محمد الشيخ المأمون بالملك الإسباني في صراعه ضد أخيه على العرش، فعقد صفقة خيانة يقضي بتسليم ميناء العرائش للإسبان مقابل الدعم العسكري. وافق الإسبان على الصفقة ودخلوا العرائش دون قتال في مارس 1610م، وأطلقوا على القلعة اسم “سان ميغيل دي أولترامار”. أدى هذا الحدث إلى سخط شعبي واسع في المغرب واعتُبر من النوازل العظمى في ذلك العصر. احتجّ العلماء بقوة على تسليم أرض الإسلام للمحتل، وانقسموا بين من أفتى بجوازه تحت ضغط السلطان ومن رفض بتاتًا التنازل عن أرض العرائش. لقد شكّلت قضية العرائش 1610 ضربة قاضية لما تبقى من هيبة الدولة السعدية، حيث أدرك المغاربة ضرورة إيجاد قيادة شرعية بديلة تتصدى للاحتلال الصليبي للشواطئ. بقيت العرائش تحت الاحتلال الإسباني لمدة تقارب 80 عامًا (1610–1689م). خلال هذه الفترة، لم تهدأ جذوة المقاومة لدى السكان المحليين والقيادات الجهادية في شمال المغرب. تعددت محاولات المغاربة لاستعادة المدينة عبر الحصار والهجمات المتكررة طوال القرن السابع عشر. برز في هذه المقاومة أسماء لامعة مثل المجاهد سيدي محمد بن أحمد العياشي والخضر غيلان: وهما من قادة الجهاد الذين نشطوا في مناطق شمال المغرب وساحله. قاد العياشي ابتداءً من عشرينيات القرن السابع عشر حركة جهادية انطلاقًا من سلا وقاعدة الولي الصالح أبي عبد الله بن حسون، وحرر عدة مناطق ساحلية من الإسبان والبرتغاليين. كما ضرب حصارًا طويلًا على العرائش برًا وبحرًا وعلى النهر لمحاولة طرد الحامية الإسبانية​
. اشتبك العياشي والإسبان في سجال عسكري ودبلوماسي مثير، وتمكن من إنهاكهم وإنزال الخسائر بهم، رغم أنه لم يحرر المدينة بشكل كامل في زمانه​
. كذلك ظهر القائد الخضر غيلان (أحد شرفاء قبائل تطوان ونواحيها) الذي حرّك القبائل الجبلية وهاجم الثغور المحتلة شمالاً. استمرت هذه العمليات الجهادية تحت رايات محلية ومركزية في آن واحد، مما أبقى الضغط مستمرًا على المحتل الإسباني. في عام 1664م تأسست الدولة العلوية الشريفة بقيادة السلطان مولاي الرشيد، ثم خلفه أخوه مولاي إسماعيل (1672م) الذي عُرف بعزمه على تطهير المغرب من الاحتلال الأوروبي. وبحلول سنة 1688م أعلن المولى إسماعيل نيته شن حملة كبرى لتحرير العرائش، فاستنفر الإسبان قواتهم وعززوا دفاعاتهم في المدينة بحوالي 200 مدفع وما بين 1500 و2000 جندي. انطلقت حملة إسماعيل فعليًا في 15 يوليو 1689م حيث حاصر المدينة بجيش مغربي جرّار. دام حصار العرائش حوالي ثلاثة أشهر ضرب خلالها المولى إسماعيل أروع الأمثلة في الإصرار العسكري. وأخيرًا وبعد معارك عنيفة، تمكن المغاربة من تحرير العرائش في سبتمبر 1689م وطرد الاحتلال الإسباني منها. سُجل هذا التحرير كملحمة تاريخية عظيمة أشاد بها المؤرخون، واعتُبرت انتصارًا مؤزرًا للمغاربة بقيادة السلطان مولاي إسماعيل. وقد ابتهج أهل المغرب لهذا الإنجاز؛ حتى أن مفتي فاس آنذاك نظم أبياتًا يهنئ بها بانتصار المسلمين على المحتل. وهكذا استعادت العرائش حريتها وعادت سيادتها مغربية. ومما يجدر ذكره أن الأهالي لعبوا دورًا هامًا خلال الحصار بالتعاون مع جيش السلطان عبر تزويده بالإمدادات والمعلومات عن تحصينات العدو، مما يعكس تلاحم السكان مع السلطة المركزية في معركة التحرير. جدير بالذكر أن حلقات كفاح العرائش لم تنته بتحرير 1689م؛ فقد ظلت المدينة وسكانها عينًا يقظة تحرس السواحل من أي محاولة عودة أجنبية. بالفعل، حاولت قوى أوروبية أخرى استهداف العرائش بعد ذلك: فتصدى أهلها وحاميتها لهجوم فرنسي سنة 1765م ولغارة نمساوية بحرية سنة 1829م، فتحطمت أطماع تلك القوى على صخرة صمود العرائش. كل ذلك رسّخ مكانة المدينة كرمز للممانعة والرفض لكل أشكال الاستعمار قبل أن يبدأ عهد الحماية في القرن العشرين.


فترة الحماية (1912–1956) والنضال من أجل الاستقلال
في أوائل القرن العشرين عاد المستعمرون بأعداد وقوة أكبر لاقتسام المغرب فيما بينهم. وبموجب الاتفاقيات الاستعمارية (معاهدة فاس 1912م)، وقع شمال المغرب (ومن ضمنه العرائش) تحت النفوذ الإسباني، في حين خضع الوسط والجنوب للحماية الفرنسية. وقبيل ذلك، بادرت إسبانيا باحتلال بعض المدن الساحلية استراتيجية لتأمين مناطق نفوذها؛ فقامت بعملية إنزال عسكري في العرائش سنة 1911م عبر الأسطول الإسباني​
، وكذلك احتُلت أصيلة والقصر الكبير في الفترة ذاتها​
. أصبحت العرائش اعتبارًا من 1912م جزءًا من منطقة الحماية الإسبانية المعروفة بـ”المنطقة الخليفية”. لكن هذا الاحتلال الجديد قوبل أيضًا بروح مقاومة لا تقل شراسة عما سبقها، خصوصًا في أوساط قبائل جبالة والهبط في الشمال. شهدت الفترة 1912–1926م سلسلة من الثورات والانتفاضات ضد الوجود الإسباني في شمال المغرب. تعد ثورة أحمد الريسوني من أبرز حركات المقاومة المسلحة في بدايات الحماية. فالزعيم أحمد بن محمد الريسوني (من أبناء زاوية الريسوني في بني عروس قرب العرائش) قاد تمردًا في جبال الهبط وجبالة تمكن خلاله من طرد أو إزعاج الحاميات الإسبانية في عدة مواقع بين تطوان والعرائش ما بين 1913 و1924م​
. وعلى الرغم من اختلاف المؤرخين في تقييم شخصية الريسوني وأساليبه (إذ تحالف أحيانًا مع الإسبان ضد خصومه)، إلا أن تجربته تبقى واحدة من أشهر المقاومات المغربية المسلحة في القرن العشرين​
، حيث أرغمت المستعمر على عقد اتفاق معه مرحليًا لكف أذاه. بالتوازي مع ذلك، اندلعت في الريف الشرقي ثورة أعظم بقيادة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي والتي تفاعلت معها قبائل الشمال كافة. توّجت تلك الفترة بـحرب الريف (1921–1926) التي خاضتها قبائل شمال المغرب ضد الجيش الإسباني (وانضمت إليها فرنسا لاحقًا)​
. حقق الثوار الريفيون بقيادة الخطابي انتصارات هائلة أشهرها معركة أنوال 1921 التي كبدت الإسبان خسائر فادحة وزعزعت وجودهم​
. وعلى الرغم من نهاية جمهورية الريف واستسلام الخطابي في 1926م بعد تدخل عسكري فرنسي-إسباني مشترك​
، إلا أن تلك الحقبة رسخت ثقافة المقاومة في نفوس أبناء الشمال، ومن ضمنهم أهل العرائش. إلى جانب الكفاح المسلح، كان لأهل العرائش إسهام واضح في الحركة الوطنية السياسية التي برزت في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. فقد احتضنت المدينة ونواحيها خلايا للعمل الوطني سرًا وعلنًا رغم قبضة الاستعمار الإسباني. شارك الوطنيون في العرائش في حملة مناهضة الظهير البربري لعام 1930 مثل بقية مدن المغرب، حيث خرج العلماء وسكان المدينة بتظاهرات واحتجاجات تندد بمحاولة التفريق بين مكونات الأمة. كما ساهموا في توقيع عريضة مطالب الشعب المغربي 1931م المرفوعة إلى سلطات الحماية للمطالبة بالإصلاحات والاستقلال. واستمر النشاط السياسي عبر عقدين من الزمن من خلال انخراط العديد من أبناء العرائش في صفوف الأحزاب الوطنية (كحزب الاستقلال وحزب الإصلاح الوطني في الشمال)، وعملهم على نشر الوعي الوطني سرًا بين الأهالي. لقد كانت العرائش بحكم موقعها في المنطقة الخليفية ملاذًا ومعبرًا آمنًا لنقل الأسلحة والمنشورات الثورية إلى باقي مناطق المغرب، حيث استغل المقاومون المغاربة كون السلطات الإسبانية أقل يقظة أحيانًا مقارنة بالفرنسيين. فمثلاً، لجأ بعض مقاومي المنطقة السلطانية (الخاضعة لفرنسا) إلى العرائش واحتموا بها أو عبروا منها للتنسيق مع رفاقهم، مستفيدين من قربها من المنطقة الدولية في طنجة ومن سواحل البحر لتلقي الدعم. مع تصاعد الضغط الدولي والمحلي على المستعمر، ازدادت وتيرة الكفاح. شارك سكان العرائش في ثورة الملك والشعب لعام 1953م التي اندلعت إثر نفي سلطان المغرب محمد الخامس، حيث عمّت المظاهرات والإضرابات أرجاء الشمال مطالبة بعودة السلطان الشرعي والاستقلال. كما انخرط العديد من شباب المنطقة في صفوف جيش التحرير المغربي الذي انطلق عام 1955م من قواعد بشمال المغرب للقيام بعمليات فدائية ضد القوات الفرنسية والإسبانية في آن واحد. وقدّمت قبائل إقليم العرائش المساعدات والإمدادات لمقاتلي جيش التحرير، بل وشهدت بعض مناطقها عمليات عسكرية ضد مواقع المحتل خلال 1955–1956. كل هذه الجهود أثمرت في النهاية عن اعتراف إسبانيا وفرنسا باستقلال المغرب. وفي ربيع عام 1956م عادت مدينة العرائش وغيرها من مناطق الشمال إلى السيادة المغربية، لتنتهي حقبة الحماية رسميًا.
خاتمة
مثّلت العرائش عبر التاريخ نقطة استراتيجية جعلتها في قلب الأحداث العسكرية للمغرب. فمنذ العصور القديمة إلى منتصف القرن العشرين، كانت المدينة بموقعها المطل على أوروبا وقربها من مضيق جبل طارق هدفًا متكررًا لقوى أجنبية مختلفة. وفي كل مرة كانت تنهض روح المقاومة المغربية لتذود عن حمى الوطن. لقد أسهم سكان العرائش وقبائلها بشجاعة في صدّ الغزاة، سواء عبر الدفاع المباشر عن أسوار مدينتهم، أو بالمشاركة في معارك وطنية كبرى مثل وادي المخازن، أو من خلال دعمهم اللوجستي والمعنوي للجيش المغربي بقيادة السلاطين. كما كان لعلماء المنطقة وزواياها دور في شحذ الهمم والحفاظ على الهوية الإسلامية والوطنية، من الفتوى الرافضة للتفريط في العرائش 1610م إلى إسناد المقاومة في القرن العشرين. وبفضل هذا التكامل بين القيادة المركزية (السلاطين والحركة الوطنية) والالتفاف الشعبي المحلي، أضحت العرائش رمزًا لصمود المغرب في وجه الأطماع الاستعمارية. وخير دليل على ذلك أنه على أسوارها تحطمت محاولات الغزو البرتغالية والإسبانية مرارًا، واندحر الاحتلال عنها غير مأسوفٍ عليه عامي 1689 و1956. لقد سُطر تاريخ العرائش بمداد من الفخر والبطولة، مما يستوجب صون ذاكرتها الوطنية وتوثيق بطولات أبنائها لتكون مصدر إلهام للأجيال القادمة​.


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.