الأحزاب تخلت عن البرشوك وأصبحت إسفنجة

العرائش نيوز:

الأحزاب تخلت عن البرشوك وأصبحت إسفنجة

سليمان الريسوني

يوم 6 مارس المنصرم، قال نور الدين عيوش، في حوار مع “أخبار اليوم”، إن “الملك يجب أن يكون رئيسا للجنة إصلاح التعليم. وسيساعده في هذه العملية رئيس الحكومة بالطبع، لكن رئيس الدولة (الملك) هو من سيحسم الرؤية، وهو من سيحدد الأهداف، وهو من سيأمر بإجراء التقييمات الضرورية”.
أمس الأربعاء يونيو، خرج عيوش يقول عكس ما قاله في السابق: “إذا أردنا أن تبقى الملكية تتدخل دائما، فلن ينجم عن ذلك سوى تكريس الملكية التنفيذية أكثر. اليوم، الحراك بالحسيمة، وإذا وقع غدا بفاس أو الدار البيضاء هل سنطلب من الملك أن يتدخل كذلك؟ ولماذا يقوم الناس بالتصويت على منتخبيهم؟” (“أخبار اليوم”).
لماذا يطلب عيوش تدخل الملك في التعليم، ويرفضه في الحراك؟ ببساطة، لاعتقاده بأن “الملكية التنفيذية” ستُنفذ مخططاته المثيرة للجدل عن التعليم، خصوصا وأن الندوة التي نظمها في أكتوبر 2013 حول التعليم، حضرها ثلاثة مستشارين ملكيين هم: فؤاد عالي الهمة، وعمر عزيمان، ومحمد القباج، بالإضافة إلى رشيد بلمختار الذي سيخلف، بعد أيام من الندوة، وزير للتربية الوطنية، آنئذ، محمد الوفا، الغائب الأكبر عن ندوة عيوش!
لنترك عيوش جانبا، فهو في النهاية فرد، لا مسؤولية رسمية أو انتدابية له، وتناقضاته لا تلزم غيره، إلا عندما يحشر نفسه في شأن عام مثل التعليم، وتعالوا ننظر إلى مؤسسات الإعلام العمومي- الرسمي.
الأحد 14 ماي المنصرم، نقلت وسائل الإعلام العمومية تصريحات زعماء أحزاب الأغلبية الحكومية، المختلفين في كل شيء، وقد اتفقوا على أن حراك الريف “لا وطني”؛ وأن الزفزافي ورفاقه “مسخرون من الخارج” و”يمولهم خصوم الوحدة الترابية للمغرب”.
الماسك بجهاز التحكم في الإعلام العمومي، ومعه وزير الداخلية الذي وشوش في أذن العثماني وأغلبيته بهذه المعلومات “الأمنية”، يعرف أن الحكومة والأحزاب في المغرب، بعد إنهاكها، لم تعد قادرة على لعب دور “البارشوك”، وأنَّ أحسن ما يمكن أن تقوم به هو دور الإسفنجة: مسح أخطاء النظام وامتصاص غضب الشعب. يحكى أن الراحل امحمد بوستة عندما رفض ترؤس حكومة يكون إدريس البصري وزيرا فيها سنة 1993، خاطبه الحسن الثاني قائلا: “أ السي امحمد خلِّي البصري بيناتنا.. أنا نمسح فيه وانت تمسح فيه”. الآن، وبعدما فقدت الأحزاب، وآخرها “البيجيدي”، ثقة الجماهير فيها، صارت كلها تلعب دور إدريس البصري المذكور: الإسفنجة. وبالفعل فقد انصب غضب الحراك على الحكومة، وانتقل من الحسيمة إلى عدد من المدن قبل أن يلتئم يوم 11 يونيو في مسيرة تاريخية بالعاصمة الرباط. هنا ضغَط حامل “ريموت كنترول” الإعلام العمومي من جديد على الزر، وخرجت الكاميرات والميكروفونات والأقلام، فلم نعد نعرف متى تنتهي شعارات العدل والإحسان والنهج الديمقراطي، وتبدأ تغطيات القناتين الأولى والثانية وقصاصات “لاماب” التي زايدت حتى على عبدالحميد أمين، الذي قال يوم الاثنين الماضي في ندوة “فريدوم ناو” حول الريف ووسائل الإعلام، بالرباط: “أنا متضامن مع الحكومة وما تتعرض له من تعسف من طرف الحاكمين الحقيقيين وإعلامهم الرسمي”.
لقد كان الإعلام العمومي، منذ نشأته، لا يفرق بين الملك وحكومته، وينحاز إليهما معا ضد المعارضة. كما كان مثقفو النظام يدافعون، بوضوح رؤية لا تجزيء فيها، عن الملكية التنفيذية. أما الآن، فما يقول ويقوم به نور الدين عيوش وفيصل العرايشي ومعهما أحمد التوفيق وأمثالهم، يشبه عمل القايد في النكتة الشهيرة، الذي عندما انطفأ المصباح الذي يضيء عبارة الملك، في شعار: “الله، الوطن، الملك”، المعلق بباب القيادة، التفت إلى المخازني قائلا: “زول البولة للشعب وديرها للملك”، دون أن ينتبه إلى أن هناك خللا بنيويا “Coupe-circuit”. وعندما انطفأت “البولة” للمرة الثانية، صرح القايد: “زولها لله وديرها للملك”!


شاهد أيضا
تعليقات
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.