برشلونة عدوة مدريد: فهل تكون إذن صديقة الرباط؟

العرائش نيوز:

نزار بولحية

لا شك في أنهم يعرفون المثل الذي يقول «عدو عدوي صديقي» لكن هل بوسع المغاربة والكتلونيين الآن أن يطبقوا ذلك على علاقتهم ببعضهم بعضاً؟ أم أن الحكمة تقتضي من المغاربة بالذات أن ينظروا بشكل واسع، وأن لا تدفعهم بعض الإشارات الودية من هذا الجانب أو ذاك، إلى نسف الجسور مع الطرف الذي باتوا يعتقدون أنه أكبر أعدائهم؟ أدنى ما كان بوسع الرباط فعله، في عز أزمتها الأخيرة مع مدريد، أن تستقبل الزعيم الكتالوني المطارد، إما بشكل رسمي أو غير رسمي. أما أقصى ما كان بإمكانها الإقدام عليه أيضا، فهو أن تعترف باستقلال الإقليم المعلن من جانب واحد، وتكون على ثقة حينها من أنها ستبلغ في اليوم الموالي بقرار افتتاح قنصلية لبرشلونة في الصحراء.
ومن المؤكد أن ذلك لم يغب عن بال السلطات المغربية، لكن تقديرها للأمور لم يكن بتلك السهولة والبساطة، رغم أن كثيرين كانوا يتصورون أن أفضل ما قد يفعله المغرب للرد على إسبانيا، هو أن يقدم على تلك الخطوة، فيضرب عصفورين بحجر واحد، إذ يحصل على اعتراف جديد بسيادته على المناطق الصحراوية، ولو كان ذلك من كيان أوروبي حديث النشأة، ويظهر بالمقابل لجارته الشمالية، أنه قادر متى أرادت الاستمرار في سياستها المعادية له، لا على التكشير عن أنيابه فقط، بل حتى على إنزال الأذى بها بأشكال تصعيدية غير معتادة، لكن الرباط ظلت مع ذلك حريصة على التمسك بموقفها المبدئي من مسألة انفصال الإقليم عن الجارة الشمالية، ولم تظهر أي رغبة، أو نية في طرح تلك الفرضية، أو التهديد بها على مدى أكثر من شهرين من عمر الأزمة الجديدة مع الإسبان.

ومع أنه لا وجود لخيط مباشر قد يربط بين قرار الحكومة الإسبانية الثلاثاء قبل الماضي، بالعفو عن بعض القادة الكتلونيين المحكومين بعقوبات بالسجن، على خلفية محاولة الانفصال في الإقليم، بعد أكثر من ثلاث سنوات من تدخل مدريد بالقوة لإلغاء نتائج استفتاء أجري فيه على الاستقلال، وما تعرفه الأزمة الإيبيرية ـ المغربية من تطورات وتداعيات، خصوصا على ملفي الصحراء، وسبتة ومليلية وباقي الجزر والتخوم المغربية المحتلة، فإن تعبير رئيس الوزراء بيدرو سانشيز عن تطلعه لأن يشكل قرار العفو «مرحلة جديدة من الحوار» تتيح «إنهاء الانقسام والمواجهة لمرة واحدة وأخيرة» على حد تعبيره، يشير في هذا الوقت بالذات إلى وجود نوع من الارتباط الخفي وغير المعلن بين المسألتين، وهو يعكس بوجه من الوجوه جزءا من الصعوبات الكبيرة التي يواجهها الإسبان في التعامل مع عدد من التحديات الكبرى، للحفاظ على وحدة شبه جزيرتهم من جانب، واستمرار سيطرتهم على مستعمراتهم في الشمال الافريقي من الجانب الآخر. وليس صدفة أن يستحضر الطرفان المغربي والإسباني الإقليم الكتالوني المتمرد، وإن بشكل مختلف، وذلك منذ الأيام الأولى للأزمة الأخيرة بينهما. فبالنسبة للمغاربة كان واضحا أنهم كانوا يرون أنه لم يكن من اللائق، أو المناسب أبداً أن تقابل مدريد دعمهم لها في أكتوبر 2017، أي حين أجرى الكتالونيون استفتاء الانفصال عن إسبانيا، باستقبال زعيم انفصالي آخر يخوض حربا لانتزاع جزء مما يعتبرونه ترابهم الوطني، تحت ذرائع غير مقبولة، ومن دون أن تكلف نفسها حتى مجرد إخطارهم بذلك، فهم لم يفهموا بعد كيف حصل ذلك، في الوقت الذي أكد فيه البيان الذي صدر حينها عن وزارة خارجيتهم وبوضوح تام، على أن «المملكة المغربية الوفية كعادتها، لاحترام مبادئ القانون الدولي، تعبر عن رفضها للمسلسل أحادي الجانب لاستقلال كتالونيا، وتشبثها بسيادة مملكة إسبانيا ووحدتها الوطنية والترابية». فهل جزاء الإحسان الإساءة؟ وكيف استطاعت إسبانيا أن تتنكر لمن وقف معها في الحفاظ على وحدتها، ولم تعبأ بحقه هو أيضا في وحدة أراضيه ووقفت تماما على الضد منه، مستمرة في احتلال جزء من ترابه؟
غير أن الإسبان لا يرون أن هناك علاقة بين الأمرين، فالإقليم جزء من دولتهم حتى إن تمرد عليهم، أو حاول الخروج عن طوعهم، ومسألة الصحراء تظل بنظرهم في عهدة مجلس الأمن، أما سبتة ومليلية والجزر المغربية المحتلة، فهي أراض إسبانية افريقية، كما يعتقدون أو يتوهمون، لكن القادة الاستقلاليين أو الانفصاليين في كتالونيا قد يكون لهم رأي آخر، فقد كان لافتا أن زعيم الإقليم كارل بويجدمنت المنفي في بلجيكا، غرّد قبل أكثر من شهر من الآن على حسابه على تويتر قائلا، إن «سبتة ومليلية مدينتان افريقيتان وهما جزء من الاتحاد الأوروبي فقط بسبب وراثة الماضي الاستعماري» متمنيا ألا ينجرف الاتحاد الأوروبي وراء حالة الغضب في إسبانيا. وأضاف أن «للمغرب الحق في إثارة مسألة السيادة (على المدينتين) وسيكون من الضروري إيجاد حوار بينه وبين إسبانيا لحل النزاع» لكن السؤال هنا هو، ما الذي دفعه للإعلان عن ذلك؟ هل حصل الأمر فقط من باب مناكفة مدريد واستفزازها؟ أم مناصرة للرباط ووقوفا معها ضد من بات عدوا مشتركا للطرفين؟ من الصعب جدا أن يوجد دليل قوي يثبت أن الكتالونيين الذين يريدون تقرير مصيرهم بالاستقلال عن إسبانيا، يؤيدون بالمثل حق المغاربة في أن يقرروا مصيرهم، ويستعيدوا سيادتهم على أجزاء من ترابهم مازالت تحت الاحتلال الإسباني، وهنا فإن الدعوة إلى فتح حوار بين المغرب وإسبانيا حول مستقبل المدينتين المحتلتين، ومع أنها تعد، في حد ذاتها تطورا مهما بالقياس إلى الموقف الرسمي لمدريد، إلا أنها لا تتضمن بالقوة والوضوح نفسه الذي يتحدث به الكتالونيون عن حقهم في الاستقلال، أي إشارة إلى حق المغاربة في استرجاع المدينتين المحتلتين. أما على مستوى آخر فلا يبدو أن قادة الإقليم يشاطرون الإسبان ترددهم في الاعتراف بمغربية الصحراء، لسبب بسيط، هو أنهم ليسوا بحاجة مثلهم لإبقاء تلك القضية على الرف لجعلها أداة للابتزاز، أو الضغط المستمر على الجارتين المغاربيتين المغرب والجزائر. ولا شك بأن المغاربة يأخذون ذلك كله بعين الاعتبار، ويعلمون أيضا تأثير كل طرف وطبيعة موازين القوى في المنطقة. كما أن الإسبان لا يسقطون من حساباتهم أن أي تأجيج في هذا الظرف للأوضاع في الإقليم المتمرد، قد ينعكس سلبا على إدارتهم للأزمة مع جارتهم في الجنوب. ولأجل ذلك فهم يسعون جاهدين للتهدئة مع الانفصاليين، وللتوصل لاتفاق يسمح لهم بأن يبقوا بعيدين عن أي ضغوط أو تأثيرات جانبية، قد تضعف موقفهم أمام المغرب، خصوصا في ملفي الصحراء وسبتة ومليلية. ومن الواضح أن الرباط تعي جيدا أن تأييدها الآن لأي قرار كتالوني جديد بالانفصال، قد يؤثر سلبا في مطالبها بالسيادة على كل أراضيها ويضر بها أكثر مما ينفعها، ولأجل ذلك فهي تتمهل في قبول صداقة الكتالونيين بالقدر نفسه الذي تتريث فيه في استعداء الإسبان. وتدرك وهذا الأهم أن لا صديق سيخوض معركتها بالنيابة عنها.
كاتب وصحافي من تونس


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.