النزعة الصوفية في القصائد الدينية للشاعر احمد الشرقي

العرائش نيوز:

بمناسبة الفاتح من شهر المولد النبوي الشريف

النزعة الصوفية في القصائد الدينية  للشاعر احمد الشرقي

قراءة في القصائد الروحية لديوان معبد العشاق  

عزيــــز قنجـــــاع

اذا كانت اشكالية التصوف المشرقي اختصت في ذات الله و اسمائه فان التصوف المغربي اختص بسره ودليله ومبدأ المعرفة به رسوله صلوات الله عليه  وسلم، فمنذ تربع مولانا عبد السلام بن مشيش على عرش القطبية وتصليته المعروفة بالصلاة المشيشية والتي تجعل مركز وجوهر المعرفة بالله في سره الذي به شاع نوره و هذا السر هو النبي الاعظم محمد خاتم النبيئين حيث يقول مولانا عبد السلام بن مشيش ” لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط” وهذه الرؤية الصوفية المغربية هي التي غزت العالم الاسلامي و عادت الينا تحت اسم الشادلية نسبة الى تلميذه ابي الحسن الشادلي، وقد عظم المغاربة الرسول الكريم ايما تعظيم وجد اكتماله الظاهر في كتاب دليل الخيرات للإمام ابي عبد الله محمد بن سليمان الجزولي السملالي وقبله الصلاة المشيشية و بعده الدعاء الناصري ومال قليلا درقاوة وطريقتهم – كان هذا استثناء – في التركيز على ذات الله نظرا لميل شيوخهم الى الجانب الفلسفي الاشراقي من التصوف الا ان كبيرهم سيدي احمد بن عجيبة وازن في المأخد ومال في الكثير من كتاباته الى الطريقة المغربية في التصوف . وما تجدر الإشارة إليه ان هذا التعظيم سيجد مظهرا حسيا له في دعوة العزفيين حكام سبتة، السلطان ابي عنان المريني احد عظماء سلاطين الدولة المرينية وهم السلالة التي حكمتالمغرب منذ القرن السابع الهجري- فظهرت اذاك قصائد المولديات التي تختص بذكرى المولد النبوي وتتميز بسهولة التعبير وخفة الوزن، وتنشد في احتفالات المولد النبوي في الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام. وبمناسبة ذكرى مولد النبي الاعظم نطل على احد الرواد من الشعراء العرائشيين الشاعر الحاج سيدي احمد الشرقي الذي أفاض في مدح النبي وتمجيد ذكره من خلال ديوانه ” معبد العشاق”.

يتفرع ديوان “معبد العشاق” الى عدة مطالب متنوعة حيث يعرج على عدة مواضيع دينية ووطنية وقصائد مدح ووإخاء وقد خص ديوانه بمطالع منيرة من قصائد دينية وارفة الجمال والبلاغة والجودة فلم يخرج سيدي احمد الشرقي الشاعر الاستاذ و المربي عن الطريقة وعن الاسلوب المغربي في تعظيم النبي الاكرم فنجده مستوعبا تراثا طويلا من الابتهالات والمدائح النبوية، و قصيدة محمد رسول الله نموذج جميل، فالشاعر احمد الشرقي يرتقي بمقام النبي الى سر الحقيقة حيث  يقول في هذه القصيدة المنشورة في ديوانه “معبد العشق، الصادر عن مطبعة لوكوس 2019 بالعرائش” ان النبي هو الحقيقة من الله وهو سر الحقيقة فنقرأ:

” سر الحقيقة ابهر دهاة الفكر وهو الحقيقة من الله في السر ”

هنا يلتقي احمد اشرقي في المعنى مع صاحب الصلاة المشيشية مولانا عبد السلام بن مشيش حين يرى في النبي تلك المرآة التي تجلت من خلالها اسرار الملكوت بل هو في وجوده مركز الحقيقة وتجليها ، فبقول مولانا عبد السلام “اللهم صل على من منه انشقت الاسرار ” فهذا معناه ان من اخرج الحقائق من اطلاقها الازلي الى عين الوجود والى عالم الشهود هو الرسول عليه ازكى الصلوات، فبه ومن خلاله ماكان سرا،صارا مكشوفا، وفي نفس السياق قال سيدي العارف بالله احمد بن عجيبة في في كتاب “الفهرسة” و في قصيدة دالية في الحضرة النبوية حاذى فيها التصلية المشيشية قال:

“قد انشقت الاسرار من سر سره ….فابدى لنا سر الالاه الممجد”

و في السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية  وهي موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي قال ” و قد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة. فإذن ولكي تجلو المرآة من شبح الوجود الى الوجود وتتضح اسرارها اوجد الله جامع اسراره وسر وجوده النبي الاعظم، فلذلك وحسب الشاعر احمد الشرقي:

“اشرقت طلعته بتباشير الخير… فأضاءت الأرجاء بالهدى والبشر”

هكذا يقل الشاعر بجمالية ويسر، مضيفا في بيت اخر:

“محمد صفوة الخلق خص باليسر.. محمد سنا نوره من سنا البدر”

وهذان البيتان للشاعر احمد الشرقي لا يخرجان عن قول مولانا سليمان الجزولي في دلائل الخيرات : ” اللهم صل على من فاضت من نوره جميع الانوار، وهو نفس مضمون الصلاة المشيشية التي تعتبر ان النبي هو من منه ” انفلقت الانوار” لكن لا يمكن للإنسان ان يستلهم ويتطلع لنور الحضرة الالاهية التي جاء بها خير البرية، الا من امتاز بقلب يتوفر على استعدادات خاصة تؤهله للنظر والتفكر فيما جاءت تبشر بها الدعوة النبوية ففي قصيدة “اللهم ثبت قلوبنا على ذكرك” الواردة بنفس الديوان الموسوم ب ” معبد العشاق يقول:

يطرب للذكر بالله فيك منشد ..والذكر في حب الله بالقلب انسب ”

ويضيف:

كل يقين بالله فيك امانة .. حتى ان أضعته تشقى ثم تغضب “

فالقلب هو موضع الإيمان مداره على تصفية البواطن من الرذائل وتحليتها بأنواع الفضائل وهي طريق تعبد للوصول الى اليقين، واليقين مقام الاكتمال ففيه وبه تلوح الانوار وتتكاشف الحقائق العرفانية والأسرار الربانية، فيطلب منقلبه في قصيدته هته ان يتثبت على الذكر ، ذكر الله :

” ثبتك الله يا قلب على ذكره … ثباتا به يهديك فتتهذب”

فالقلب اذا تهذب من الرذائل وتحلى بالفضائل أشرقت عليه الأنوار وتاب الى الله فيقول الشاعر في المعنى :

” فتب لله يا قلب طوعا وارض به …فبالتوبة القلوب لا تتعذب ”

ويبدو جليا ان عنوان القصيدة يستلهم قول الرسول الكريم في حديث عن أنس رضى الله عنه قال: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ))، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: ((نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ). ففي مطلع قصيدته هته نجده يقول:

” جعلك الله في الحشا تتحكم … وبالحياة يا قلب تلهو وتلعب”

وفي مضان القصيدة ابيات عدة تسير في هذا الفهم فنجده مثلا يقول:

” العين تغريك والهوى يضل بك… احيانا تحب وطورا تتصلب”

فالقلوب على قول الرسول هي بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، لذا يسير في نفس هذا الوصف اذ يقول:

” ما سماك الله قلبا يا قلب الا و … انك تقلب الدنيا وتتقلب “

فينتفض لهذا المعنى الشاعر ويحث قلبه على الذكر فهو مربط القلب وحركته فيحثه قائلا ” ثبتك الله يا قلب على ذكره ” فالقلب هو الحبل السري الرابط بين الروح وتجليات الصفات الانسانية المستمدة من الصفات المطلقة للخالق،

ومن المثير للانتباه ان الشاعر احمد الشرقي في قصيدته ” سبحان الله” من نفس الديوان والتي خصها لذكر الله وجلال صنعه، وبعد تسبيحة تُعظم الموجودات الالاهية وفي مطلع رائع قال فيه:

” سبحان من خلق الكون بكن فكان …سبحان من خلق الخلق طينا فلان.

سبحان من خلق السماء وزان …. سبحان من خلق الارض و ابان “

وبعد ان يسترسل في الاشارة الى عظمة الخالق وبديع تدبيره يعرج في نهاية قصيدته على الواسطة المحمدية اذ هي في مقام النور التي راى بها الانسان الحقيقة وبها كانت الهداية فيقول:

أرسلت محمدا نورا لهدانا …فبهداك ربي هو قد هدانا “

ومن هنا فان الشاعر احمد الشرقي لم يخرج عن الطريقة المغربية في النظم الروحي ، فالقصائد الروحية للشاعر احمد الشرقي بالإضافة الى منحاها الخلقي الصوفي فهي تحاذي الحِكم المبنية على استخلاصات التجربة الفردية كما في رباعيات للخيام. وقد ابدع في هذا المجال بحس شاعري راق وبتمكن جمالي عالي الإحساس قال فيه الدكتور جلال المرابط ” انه ديوان يطل من خلاله الحاج احمد الشرقي على فوضى العالم، واقع يذكره بصوت الالهة ربات الشعر والجمال و الموسيقى” وقال في حق صاحب الديوان الشاعر مصطفى جديعة : ” الشاعر احمد الشرقي يكتب بنفس عميق واسترسال كبير يتكئ على مخزون معرفي هائل ، وعين لاقطة للجزئيات والتفاصيل ، فهو شاعر الذاكرة و التراث ، في تجربته نداءات لأصوات آتية من بعيد وصهيل من العشق مازال على ربوة الوجدان يسامر الليل متى طال صبحه” فبمناسبة حلول شهر مولد الرسول الأعظم نتمنى لشاعرنا الحاج احمد الشرقي تمام العافية وموفور الصحة وكل عام و الأمة الإسلامية بخير.


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.