لماذا عاد الحديث الآن عن مواجهة جزائرية مغربية؟

العرائش نيوز:

نزار بولحية

ليس واضحا ما الذي ستفرزه الجولة التي شرع بها وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة الثلاثاء قبل الماضي، وقادته إلى ثلاث عواصم عربية، أو ما إذا كان الهدف منها هو فقط «القيام بمشاورات موسعة مع الدول العربية، لتحديد موعد القمة التي ستحتضنها الجزائر» مثلما أعلن عنه. كما أنه ليس مؤكدا بعد ما إذا كان المبعوث الأممي للصحراء ستيفان ديمستورا، الذي قام بدوره الأربعاء الماضي في زيارة إلى المنطقة المغاربية، سيحرز بعض التقدم، بما قد يسمح بتحريك القليل من مياه الملف الصحراوي الراكدة.
لكن استعادة صحيفة إسرائيلية، بتزامن مع الزيارتين، الحديث عن احتمال حدوث مواجهة جزائرية مغربية كان مريبا بعض الشيء. فالتناقض الحاد بين الأمرين جعل السؤال عن الدوافع، التي يمكن أن تقف وراء ظهور مثل تلك التخمينات في هذا الوقت بالذات مشروعا، فهل تراها تخلو تماما من أي غايات؟ وهل أنها يمكن أن تكون مرآة عاكسة، لمواقف أو لتصورات أو لخطط وضعت للشكل الذي ينبغي أن تكون عليه المنطقة، من وجهة نظر من يحاول الترويج لذلك؟ ثم ألن يكون الهدف من ورائها هو التشويش على مبادرات أو مساع أو اتصالات تجري الآن على هامش الجولة المغاربية للمبعوث الأممي للصحراء إلى المنطقة، لغرض تحقيق نوع من التقارب بين العاصمتين المغاربيتين؟ أم أنها قد تعبر وبشكل ما عن مخاوف قديمة، لا من تداعيات مواجهة جزائرية مغربية على الجوار الإقليمي، بل مما يمكن أن تؤول إليه التوازنات في الشمال الافريقي، في حال ما إذا تحققت مصالحة ما بين الجارتين؟

لقد كان من الغريب حقا أن تنتبه صحيفة «الجيروزاليم بوست» الإسرائيلية، وبعد مضي أكثر من شهرين، إلى تقرير نشرته صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، حمل عنوانا على شكل سؤال معلق لم يحسم في جوابه وهو، «هل يمكن أن تندلع الحرب بين المغرب والجزائر؟» لتنشر في الأيام الأخيرة تعليقا مطولا، بررت في بعض فقراته الحديث عن تحضيرات جزائرية لحرب مع المغرب بأنه «نابع من التحركات الإسرائيلية في منطقة شمال افريقيا، وأن زيارة الوزير بيني غانتس إلى المغرب وتوقيعه مذكرة تفاهم مع نظيره المغربي، في أول مذكرة توقع مع بلد في شمال افريقيا، ربما كانت وراء إثارة المخاوف الجزائرية من زيادة التعاون المغربي الإسرائيلي». ولم يكن محض صدفة أو ضربا من الاعتباط، أن تزيد الصحيفة الإسرائيلية في الطنبور نغمة، في وقت قلت فيه احتمالات حدوث مواجهة عسكرية بين الرباط والجزائر بدرجة ملحوظة، عما كانت عليه، على الأقل في نوفمبر الماضي، تاريخ نشر الصحيفة الفرنسية لتقريرها، بعد مقتل ثلاثة جزائريين في قصف على منطقة صحراوية، اتهم الجزائريون المغرب بالوقوف وراءه وهددوا بالرد عليه. لكن ما الذي يريد الإسرائيليون إيصاله من وراء ذلك بالضبط؟ وهل إنهم يرغبون مثلا في إظهار أنفسهم وكأنهم الرقم الصعب والمتحكم الفعلي في محرار العلاقات الجزائرية المغربية؟ أم أنهم يطمحون من خلال استعادة الحديث عن الحرب في الشمال الافريقي إلى تقديم إشارة للمعنيين إلى أن ترتيب أي مصالحة في المنطقة، لن يكون واردا أو ممكنا بمعزل عنهم؟ ربما يرى البعض أن هناك قدرا من المبالغة والتضخيم، لأن الأمر لا يتعلق بنظرهم حتى الآن سوى بمقال في صحيفة إسرائيلية. لكن من قال إن صدروه في هذا الوقت كان عملا عفويا؟ أليس ظهوره في صحيفة عبرية، بالإنكليزية دليلا على أن هناك نية في أن يصل إلى جمهور آخر غير الإسرائيلي؟ وما تضمنه من إيحاءات غير مباشرة من جانب واحد على الأقل، وهو تصوير قرار إعادة العلاقات المغربية الإسرائيلية الذي اتخذ أواخر 2020 ضمن سياق معروف، كان السبب الأكبر أو الوحيد في القطيعة الحاصلة بين الجارتين، هو أشبه بالشجرة التي تحجب الغابة، فالخلافات والتوترات العميقة بينهما، لم تكن بالتأكيد وليدة تلك الخطوة، والتصعيد المتبادل والمستمر الذي شهدته علاقاتهما، على مرّ السنوات الأخيرة، لم تكن له علاقة بأي تقارب مغربي إسرائيلي، لكن ذلك لا يمنع الإسرائيليين، ومن دون شك، من أن ينظروا إلى الوضع الحالي لتلك العلاقات، على أنه يقدم لهم بالمجان خدمة كبيرة، لمصالحهم ومخططاتهم في الشمال الافريقي. فاستمرار الهواجس والشكوك المتبادلة بين أكبر بلدين مغاربيين، هو في حد ذاته، واحد من الأهداف الاستراتيجية التي وضعوها، ربما حتى قبل استقلالهما عن فرنسا منتصف الخمسينيات وبداية الستينيات، فهم يعلمون جيدا أن ذلك هو الطريق الأقصر لإنهاكهما وامتصاص ثرواتهما، وكل مصادر القوة التي يملكانها في سباق على التسلح، سيكونون هم، بشكل مباشر أو غير مباشر، أحد أكثر الرابحين والمستفيدين منه، وما تقوله الصحيفة الإسرائيلية في تقريرها، نقلا عما ذكره مصدر عسكري جزائري، لم يكشف عن هويته للصحيفة الفرنسية، من أن ما يغضب النظام الجزائري هو «أن دعم إسرائيل للمغرب سيغير الوضع في مدة قدرها ثلاث سنوات» وأن «الأسلحة التي تثير قلق الجزائريين هي تلك المتعلقة بالحرب الإلكترونية والمسيرات» قد يلخص بعضا من الطموحات الإسرائيلية. فالترويج لقرب حدوث حرب جزائرية مغربية، والحديث عن احتمال اختلال موازين القوى العسكرية بين الجانبين، هو الغطاء المثالي لتغذية الأحقاد والتنافس على تكديس الترسانات العسكرية بلا طائل. وهذا ما لا يجعل كثيرين يرون فقط أن احتمالات المواجهة قد ارتفعت وتصاعدت، بل يعتبرون أيضا أن التوقعات بالتهدئة وبخفض التوتر قد ضعفت وتقلصت، إلى حد كبير.
لكن هل يلقى باللائمة هنا على الإسرائيليين، الذين قد يعتبرون خلافات الرباط والجزائر فرصة لا تعوض للترويج لحرب الشقيقين، بكل ما تمنحه لهم تلك الوضعية من مكاسب عاجلة وآجلة؟ أم على آخرين لم يروا، وعلى العكس منهم في تلك الخلافات فرصة لدفع البلدين إلى سلام سينعم المغاربيون كلهم، وبلا استثناء في حال التوصل إليه، بثمراته؟ قد يقول البعض ومن يسعه اليوم أن يتفاءل بأن انفراجة ما بين البلدين قد تحصل في المدى القصير والمتوسط؟ أليست كل الدلائل والمؤشرات والأحداث والتطورات، تدل على أن ذلك بات أضغاث أحلام؟ ألم يعد مثل ذلك الحديث نوعا من الدجل والغش والخداع؟ ثم ألا ترتفع بعض الأصوات في الجانبين لتقول بصوت عال، أن لا حاجة للبلدين والشعبين بأي صلح؟ المشكل الآن لا يكمن فقط في أن هناك حاجزا نفسيا أخذ في التعمق والاتساع كل يوم بين البلدين، بل في عدم وعي جيران المغرب والجزائر ربما باستثناء موريتانيا بالدرجة الكافية لا بالمخاطر المحدقة بهم جراء أي تصعيد إضافي بين جارتيهم، بل بالفرص التي يهدرونها حين يرفضون تحت مبررات، أو تعلات واهية، أن يقوموا بأي جهد للتقريب بينهم. إنهم يظنون للأسف الشديد أن ذلك سيحفظ مصالحهم، لكنهم لا يدركون بعد أن من يروج لمواجهة جزائرية مغربية لن يستثنيهم من النار إن تحققت آماله واشتعل الحريق هناك، لا سمح الله.
كاتب وصحافي من تونس


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.