“تاريخ العرائش من بداية القرن السادس عشر إلى الاحتلال الإسباني للعرائش سنة 1610” (الحلقة الثالثة والعشرون)

 

العرائش تحت الاحتلال الإسباني خلال القرن السابع عشر (II)

وينصح خوان لودوفيكو رودريغو باستعمال العرائش كخلفية عسكرية للاستيلاء على سلا “وعندئذ سيكون من الضروري أن توجد السفن في العرائش على أهبة الاستعداد لمساعدة تلك القصبة بألف رجل على الأقل”، كما صارت العرائش، وعوض أن تكون مصدر دخل للدولة الإسبانية، صارت وبالا على ميزانيتها، ونقرأ في اجتماعات تصريحات مهمة تذهب إلى تأييد هذا الرأي،  ففي الوثيقة رقم 30الرزمة 2449 من محضر مجلس الحرب الإسباني قال برطلومي دي أني، وهو أحد أعضاء المجلس أنه  “من الضروري تزويد قواعد العرائش والمعمورةن فلكوننا في بداية فصل الشتاء، فإن الخطر يلوح في الأفق حول إمكانية دخول المراكب إذا لم يتم إرسال المؤونة في أقرب وقت”.

وفي مقتطف آخر من اجتماع المجلس العسكري الإسباني، نصح أحدهم بإعادة أحد المبعوثين المترجمين إلى ثغر المهدية بعد احتلاله نظرا لكثرة الشكاوى المقدمة إليه، ففي الرزمة رقم 5264E من أرشيف سيميناكس، يقول أحد المستشارين ويبدو أنه من المجدي أن يُؤْمر المترجم المذكور بالعودة نظرا إلى الضّجة التي يحدثها في المغرب حضوره في المعمورة، بحيث يراسلونه حول الآلام والخصاص الموجودين هناك وكذا في العرائش”. إن كثرة المطالب من المستلزمات والمؤن الغذائية واللوازم الخاصة بالدفاعات العسكرية كان جد عال، نظرا لوجود حامية عسكرية متكونة من عدد جد كبير من الجنود، ونظرا للمطالبات الشعبية المغربية باسترجاع العرائش، فقد رأينا أن اليهودي خوان لودوفيكو رودريغو عندما نصح باستعمال العرائش كخلفية عسكرية للاستيلاء على سلا،  اقترح أن توجد السفن في العرائش على أهبة الاستعداد لمساعدة تلك القصبة –أي سلا-  بألف رجل على الأقل”، وهو ما يبين حجم الحامية العسكرية الكبيرة التي كانت موجودة بالعرائش. فبالإضافة إلى حجم المؤن والوسائل المطلوبة لحماية ثغر العرائش، فالوضعية العامة لحياة الحامية العسكرية لم تكن مستقرة، ويبدو أنها عرفت اضطرابات عديدة، فهذا قسُّ مسيحي كان يشتغل في موضوع الأسرى الإسبان نصح الملك الإسباني في رسالة ذكرها الحسين بوزينب: “الموريسكيون وقصبة الرباط: وثائق تكشف جوانب تاريخية مجهولة” قال فيها في صفحة 207: أظن أنه من الأهمية بمكان أن أعبّر عن رأيي حول ما يمكن أن يعتبر خدمة لله ولجلالتكم، وهو أن يؤتى بالنساء إلى قواعد المعمورة والعرائش وغيرها، خصوصا وأنهن زائدات في إسبانيا وأن يتزوج الجنود الذين يعيشون فيها”.

يبدو من خلال هذه الرسالة أن ثغر العرائش كان يعيش حالة عسكرية وهنة ومعنويات الجنود يبدو أنها كانت في الحضيض، واقتراح إنشاء عائلات إسبانية بمدينة العرائش من خلال تزويج الجنود الإسبان بنساء إسبانيات يُسْتَجْلَبْنَ من إسبانيا سيؤدي لا محالة إلى استقرار نفسي، ويرفع من همة الجنود الإسبان للدفاع عن ثغر العرائش نظرا لوجود عائلاتهم بها. إلا أنه يبدو أن ضربات المقاومة المغربية خلف أسوار مدينة العرائش كانت ثقيلة، بل كاسرة نظرا لعدد القتلى الإسبان الذين كانوا يلقون حتفهم حال الخروج خارج الأسوار للرّعي أو لجلب الحطب أو لممارسة الأنشطة الفلاحية الأخرى.

 


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.