تحقيق خاص: منتدى أصيلا، قصة مهرجان شبّ وشاب في الريع والفساد.

لمنتدى أصيلا قصة تصلح لتصبح سيناريو فيلم شيق ومثير، المهرجان الذي سلخ من عمره 35 سنة شكّل ظاهرة فريدة رافقت الزمن السياسي والثقافي المغربي، هذا المهرجان ارتبط اسمه باسم محمد بن عيسى وزير الثقافة سابقاً وسفير المغرب في واشنطن ثم وزيراً للخارجية، فلا يذكر منتدى أصيلا دون الحاقه باسم بنعيسى، فكيف بدأ هذا المهرجان وكيف حافظ على نفسه ومن أين يستمد تمويله وما علاقة الدولة به؟
النشأة
من خلال نبشنا في بدايات تشكل هذا المنتدى تبين لنا أن أصل الفكرة انبثقت من العمل الجمعوي الثقافي، إذ كانت مدينة أصيلا على موعد مع أول جمعية ثقافية أواخر الستينيات باسم جمعية قدماء ثانوية الامام الأصيلي؛ وهي الجمعية التي أسسها مجموعة من الشباب اليساري والاتحادي المهتم بالشأن الثقافي و المنغمس في طروحات اليسار أنذاك حول ضرورة الاشتغال داخل الاندية والجمعيات الثقافية، وفي سنة 1968 سينخرط الشاب محمد بنعيسى رفقة صديقه الفنان التشكيلي محمد المليحي في هذه الجمعية، وستنظم له سنة 1969 معرضاً للصور الفوتغرافية، لأن بنعيسى عُرف بداية كونه مصوراً فوتوغرافياً. لكن بعد ذلك ولكونه لم يستطع مواكبة التوجه العام السائد داخل الجمعية وربما لم تكن تشبع نهمه وسعيه لتحقيق أهدافه، سينسحب من الجمعية رفقة صديقه المليحي ليؤسسا سنة 1978 جمعية ثقافية أخرى أطلقا عليها اسم “جمعية المحيط الثقافي”، وقبل ذلك بسنتين كان الشاب محمد بنعيسى قد انخرط في العمل السياسي وانتخب عضواً في المجلس البلدي لمدينة أصيلا كمرشح مستقل غير منتم لأي حزب.
من جمعية ثقافية الى موسم ثقافي كبير
بداية من الثمانينيات ستشرع جمعية “المحيط الثقافي” في تنظيم موسم ثقافي كبير، يستدعى إليه أسماء ثقافية وازنة، ويلقى دعماً كبيراً من مجلس المدينة الذي أصبح يترأسه بنعيسى، وكذا الدعم المادي الذي كان يتلاقاه من صناديق الدولة من أجل تلميع صورتها وإظهارها في مظهر الدولة التي تشجع الشأن الثقافي، في الوقت الذي كان أغلب المثقفون المغاربة يقاطعون هذا المهرجان ويتدخلون الى باقي أصدقائهم لمقاطعته باعتباره مهرجاناً رجعياً يخدم أجندة النظام الرجعي. فيذكر الروائي البيروفي المشهور؛ فارغاس يوسا صاحب “حفلة التيس” الحائز على جائزة نوبل، يذكر أنه كان قد استدعي الى هذا المهرجان بداية الثمانينيات لكنه فضل عدم حضوره بعدما أكد له مثقفون مغاربة أن المهرجان محسوب على النظام الرجعي الذي يصادر المجلات الثقافية ويخنق صوت المثقفين، كما كان اتحاد كتاب المغرب يوجه انتقاداً حاداً لهذا المهرجان وقاطعه على مدى دوارته السابقة الى أن تغيّرت لهجته مع بداية حكومة التناوب.

حكومة التناوب وتطبيع المثقفين المغاربة مع المهرجان
سنة 1998 سيعرف المغرب ما سمي بحكومة التناوب التي قادها الكاتب الاول لحزب الاتحاد الاشتراكي عبد الرحمان اليوسفي، وخلال التعديل الوزاري أبريل 1999 سيدخل بنعيسى الى حكومة التناوب وزيراً للخارجية خلفاً لعبد اللطيف الفيلالي، وهو المنصب الذي سيمكث به الى غاية 15 أكتوبر 2007، وخلال سنة دخوله حكومة التناوب، سيحضر مهرجانه مجموعة من الاسماء الثقافية التي كانت سابقاً تشهر عدائها له، حيث سيتلو وزير الثقافة، ورئيس اتحاد كتاب المغرب السابق محمد الأشعري الرسالة الملكية الموجهة للمهرجان، وستعرف الدورة مشاركة العديد من الوجوه الثقافية المغربية التي دأبت على مقاطعة المهرجان. كما ستحصل الجمعية الساهرة على تنظيم المنتدى على صفة جمعية ذات نفع عام.
كسر حصار المقاطعة وتضخم موارد الجمعية.
بعد حصول الجمعية على صفة النفع العام ستستفيد من جملة من المشاريع بعد أن كانت تستفيد من قبل من الصناديق السوداء، كما ستنفتح المؤسسة على أنشطة ذات واجهة اجتماعية؛ مثل بناء شقق سكنية بدعم من صناديق خليجية تفوت للقاطنين بمدن القصدير لكن الأثمنة التي حددت لهذه الشقق لم تكن في متناول المستهدفين من المشروع الغير قادرين على اقتناء الشقق بالأثمنة المحددة فظل المشروع معلق الى حين. كما ستعرف المدينة بناء أكبر وأحدث مكتبة في المغرب مولها الامير السعودي بندر بن سلطان وحملت اسمه، بندر الذي نسج معه بنعيسى علاقات قوية حينما كان سفيراً للمغرب في واشنطن، ومن خلاله أيضاً ربط علاقات قوية مع الخلجيين. لكن المفارقة أن هذه المكتبة الجميلة والمجهزة بأحدث التقنيات هي ممنوعة على أبناء مدينة أصيلا، إذ بالكاد تفتح أبوابها خلال مدة المهرجان وتعود لتغلقها في وجه أبناء المدينة، رغم أنها مبنية على مساحة واسعة على أراضي تابعة للجماعة الحضرية.
ثعلب أصيلا الذي يظهر ولا يختفى.
دأبت الصحافة على تسمية بنعيسى ب “ثعلب أصيلا”، لكنه ليس كثعلب زفزاف يظهر ويختفي بل إنه يحب أن يظهر ويظل هو العنوان الأبرز والدائم، هذا ما حدث له مع المجلس البلدي للمدينة، فهو الرئيس الدائم منذ أزيد من 30 سنة، عرف خلالها تأرجح في انتمائه السياسي بين لا منتمي والانتماء الى التجمع الوطني للاحرار ثم العودة الى اللامنتمي، ثم في الانتخابات التشريعية الاخيرة كان هو وأنصاره ينظمون حملة انتخابية لفائدة مرشح الاصالة والمعاصرة، لكن ظل الثابت في كل هذا أن بنعيسى هو الرئيس الدائم للمجلس البلدي سواءً بوصفه لا منتمياً أو منتمياً لحزب الاحرار.
وحينما تجالس أبناء المدينة يحكون قصصاً كثيرة حول تشعب العلاقات التي نسجها بنعيسى مع مراكز القرار المركزي و في مدينته التي أضحى يتحكم في كل شيء فيها، وأصبح العقار هو تلك الدجاجة التي تبيض ذهباً، يحكي السكان عن عشرات السماسرة الذي يشتغلون لفائدته، دورهم هو البحث عن الاراضي لشرائها واعادة بنائها. من بين القصص التي تُحكى في هذا السياق قصة أرض بيعت ليلة وفاة مالكها بمبلع 20 مليار سنتيم ليعيد بنعيسى بيعها بعد أشهر قليلة بأزيد من 60 مليار سنتيم لمستثمرين عراقيين لإقامة مشروع سياحي.
خلاصة:
إن قصة منتدى أصيلا هو قصة زواج ثلاثي؛ أطرافه: تسير الشأن المحلي، الشأن الثقافي، رهانات الدولة لتلميع وجهها، هكذا اجتمعت الصفات الثلاث في شخصية بنعيسى . هذا الرجل عرف جيّداً كيف يستثمر علاقاته لجلب استثمارات خليجية أشعلت نيران الاسعار في العقار وبل حتى المعيش اليومي، الذي أضحى المواطنون العاديون يكتوون بنار اسعاره المرتفعة جداً مما يضطرون معه الى قصد الاسواق والمناطق المهاجرة (سيدي اليمني، حد الغربية..) للتزود بقفة الاسبوع، فعندما كنا في سيارة الاجرة قاصداً مدينة أصيلا، سألنا سائق السيارة عن المنتدى وعن ان اليوم هو موعد افتتاح المنتدى وكيف يستقبل سكان أصيلا ذلك، نظر فينا السائق مليّاً ثم أرغى وأزبد وسبّ كل المسؤولين وقال لنا هؤلاء يجرون وينضمون المهرجانات من أجل مصالهم وأنا أظل طوال اليوم أجري من أجل كيس الدقيق لأبنائي.
وبمناسبة الدورة الاخيرة أصدر الحزب الاشتراكي الموحد بيانا يدعو سكان المدينة الى مقاطعة المهرجان لكون “رئيس الجماعة يرصد ميزانية هامة من المال العام لتمويل مهرجان منتدى اصيلة في الوقت الذي تعاني فيه المدينة من مشاكل حقيقية لها اولوية رصد الميزانية العامة”، ودعا الى التحقيق في مصدر ثروة بنعيسى كما عبرت أحزاب الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والتقدم والاشتراكية عن رفضها القاطع لـ”تحويل المهرجان الى وسيلة للتسول باسم كرامة الساكنة وعلى حساب مشاكلها الإجتماعية الصارخة والمتزايدة”.

أنوال برس


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.