العرائش نيوز:
تطلّ أزمة جديدة ناقوس الخطر في قطاع الكابلاج بالمغرب، حيث تواجه شركات هذا القطاع الصناعي الحيوي معضلة وجودية تهدد استقراره ومستقبله. ففي الوقت الذي تتوفر فيه فرص الشغل ودورات التكوين المجاني، تعاني هذه الشركات من نقص حاد في اليد العاملة الشابة، لا بسبب عدم وجود راغبين في العمل، بل بسبب عدم استمرارية العمال الذين تغريهم الوظائف الأولى ثم لا يلبثون أن يغادروا بعد أسابيع قليلة فقط من تدريبهم وتأهيلهم. هذه الظاهرة تكبد الشركات خسائر فادحة وتشل حركة الإنتاج، مما دفعها للبحث بشكل مستعجل عن طاقات بشرية جديدة تكون مستعدة للعمل والاستمرار لضمان بقاء القطاع واقفاً وقادراً على لعب دوره في تنشيط الاقتصاد الوطني.
وراء هذه الأزمة قصة أكثر تعقيداً من مجرد نقص في العمالة، فهي قصة صراع بين متطلبات الإنتاج وتطلعات الشباب، بين جشع الربح وكرامة العامل. فالعاملات والعمال في قطاع الكابلاج يقفون لثماني ساعات يومياً في أماكنهم دون حراك، مما يؤدي إلى مشاكل صحية مزمنة في الظهر والعمود الفقري، ناهيك عن الضغوط النفسية والشتائم التي يتعرضون لها بشكل يومي. وتتراوح أجورهم بين 2500 إلى 3000 درهم مغربي، وهي أجور لا تتناسب مع طبيعة العمل الشاق ولا مع تكاليف المعيشة المتصاعدة. كما أن غياب تطبيق مدونة الشغل في بعض هذه الشركات يحرم العاملين من حقوق أساسية كالعطل السنوية ورخص الأمومة، إضافة إلى مشاكل النقل والسلامة خاصة خلال التنقل ليلاً.
الحلول ليست مستحيلة، لكنها تتطلب إعادة نظر جذرية في نموذج العمل القائم. فبدلاً من الاكتفاء بالبحث عن عمال جدد، يتعين على الشركات تحسين ظروف العمل والأجور، والاستثمار في الاستقرار الوظيفي عبر تقديم حوافز مالية وفرص ترقية حقيقية. كما أن استخدام التكنولوجيا يمكن أن يخفف من الأعباء البدنية على العمال، وبناء علاقات استراتيجية مع موردي القوى العاملة يمكن أن يوفر كفاءات أكثر استقراراً. في النهاية، فإن خروج القطاع من أزمته الراهنة مرهون بالانتقال من منطق توفير فرص العمل إلى خلق فرص شغل لائقة تحفظ كرامة العامل وتضمن استمراريته، لأن القطاع الصناعي لا يمكن أن ينهض على أكتاف عمال منهوكين، والاقتصاد الوطني لا يمكن أن ينشط بقطاع يعاني من نزيف مستمر في كفاءاته الشابة.

