عاملات المناولة المغربيات… ضحايا الاستغلال والتحايل على القانون

العرائش نيوز:

تتلاعب شركات المناولة المغربية بحقوق العاملات اللائي يعملن من خلالها في مؤسسات الدولة أو القطاع الخاص، إذ يشتغلن في ظروف تطبعها القسوة ويعانين من العنف الجسدي والمعنوي ويتم التلاعب بأجورهن عبر التحايل على القانون.

-تحمل الثلاثينية المغربية فاطمة الزهراء الحسناوي ذكريات سيئة عن فترة عملها في مؤسسة تعليمية، بعد أن وجدت نفسها بدون عمل في يونيو/حزيران الماضي عقب عامين من الالتحاق بمدرسة عبر شركة مناولة (وهي عبارة عن شركات توظيف توفر العمالة للقطاعين العام والخاص في مجالات عديدة كالحراسة والتظيف ونحوها)، إثر انتهاء عقد توفير خدمات الحراسة والنظافة، الذي كان يربط بين الشركة والمديرية الإقليمية للتعليم بالقنيطرة (غرب الرباط) وإبرامها لصفقة جديدة مع شركة ثانية من دون الإشارة إلى الاحتفاظ بنفس العمال والعاملات أو تعويضهم عن انتهاء فترة عملهم.

وتستحضر الحسناوي في حديثها لـ”العربي الجديد”، تجربتها ومعاناتها بعد أن كانت مجبرة على العمل لثماني ساعات يوميا  مقابل أجر يبلغ 700 درهم (نحو 70 دولارا) (يقل عن الحد الأدنى للأجر المعمول به في المغرب الذي انتقل في الأول من سبتمبر/أيلول 2022 من 2828 درهما (270 دولارا) إلى 2970 درهما (284 دولارا)، قائلة:” لم أكن مجرد عاملة نظافة بل أقوم بمهام أخرى منها قضاء حوائج العاملين في المؤسسة. رغم ما كنا نقاسيه جراء هزالة الأجر وتأخر أدائه لأكثر من 3 أشهر وغياب التأمين الصحي إلا أنني كنت أمني النفس بأن يتم في يوم من الأيام، إبرام عقد عمل غير محدد المدة ونيل حقوقي، لكن لم يدر في خلدي بأن يكون مصيري بين ليلة وضحاها هو الشارع”، معتبرة أنها “ضحية استغلال وتحايل” على مدونة (قانون) الشغل.

وتتطابق معاناة الحسناوي مع ما كشفه تقرير لمنظمة أوكسفام الدولية (اتحاد دولي للمؤسسات الخيرية) في مذكرة بعنوان “ظروف العمل في قطاعي الأمن والنظافة في المغرب”، صدرت في مايو/أيار الماضي، مؤكدا أن ظروف عمل هذه الفئة: “تطبعها القسوة ويعانون غياب الاستقرار الوظيفي”، كما يتعرضون لخطر التسمم “جراء استعمال مواد كيميائية ومنتجات سامة مثل حمض الهيدروكلوريك الذي يسبب العديد من الأمراض كمشاكل الجهاز التنفسي أو الجلد”، بالإضافة إلى معاناة العاملات يوميا من جميع أشكال العنف الجسدي والمعنوي/النفسي. وغالبا ما يكن ناجيات من العنف الجسدي أو التحرش الجنسي من رب العمل أو الزملاء.

غياب الرقابة وتهرب من المسؤولية

لا تشتغل عاملات النظافة عبر عقود مباشرة وإنما نيابة عن مقاول من الباطن يقتطع جزءا من رواتبهن، ويواجه بعضهن “أنواعا مختلفة من الإساءة والتهديدات بالفصل”، بحسب ما توثقه “أوكسفام” والأخطر كما ترى المنظمة الدولية أن “هؤلاء الموظفات تطلب منهن شركات المناولة توقيع عقود مدتها ستة أشهر على أساس متكرر، وفي حالة وجود نزاع حول ظروفهن، يمكن أن تجد هؤلاء أنفسهن في حالة توقف عن العمل دون أي تعويض”.

ويؤكد خليل الدقيقي، المكلف بالمسؤولية المجتمعية للشركات والعلاقات مع القطاع الخاص بفرع المغرب في منظمة أوكسفام، أن ظروف العمل والأعباء التي تتعرض لها العاملات في ظل المخاطر الكبيرة التي يواجهنها، تقتضي تشديد المراقبة على شركات المناولة، وهي مسؤولية تقع على عاتق المؤسسات العمومية المتعاقدة معها.

عدد شركات المناولة القانونية 700 مؤسسة وآلاف منها تنشأ وتختفي

لكن مسؤولا في وزارة التعليم المغربية ( طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالتصريح الإعلامي) يقول لـ”العربي الجديد” إن مديرية التعليم لا تتحمل أي مسؤولية تجاه عاملات النظافة لانتفاء علاقة التبعية، وإنهن من خارج المنظومة التربوية، موضحا أن الوزارة لجأت منذ عام 2007 إلى إسناد التدبير المفوض لخدمات الحراسة والنظافة والطبخ إلى الشركات الخاصة استنادا إلى دفاتر تحملات (ميثاق قانوني ينظم ويحدد المسؤوليات) بغية تجويد الخدمات المقدمة ومعالجة النقص المتزايد لفئة أعوان الحراسة والنظافة والطبخ بسبب الإحالة على المعاش وعدم تعويضهم، وبعد أن لم يعد متاحا توظيفهم عبر أسلاك الوظيفة العمومية إثر حذف السلم 1و2 و3 من التراتبية بالوظيفة العمومية في يناير/كانون الثاني 2010، وهي الدرجات التي في الأغلب كان يسجل بها أولئك الأعوان.

ويلفت ذات المسؤول إلى أن مصالح الوزارة تؤكد على مواءمة دفاتر التحملات التي توقعها مع شركات المناولة مع التشريعات الجاري بها العمل (مرسوم الصفقات العمومية لعام 2013 ومدونة الشغل) بالتنصيص على احترام كل الشروط القانونية الضامنة لحقوق المستخدمين، مؤكدا أن المراقبة البعدية لمدى احترام المقاولة المناولة لدفتر التحملات الخاصة بحقوق الشغيلة والإجراءات والتدابير الواجب اتخاذها في حال عدم الوفاء بها، يبقى رهينا بتضافر جهود بقية المتدخلين والمختصين في المجال، لاسيما القطاع الحكومي المكلف بالتشغيل وصندوق الضمان الاجتماعي والتمثيليات الجهوية والإقليمية للشركاء.

غير أن “المؤسسات العمومية لا تملك أية صلاحية للتدخل بخصوص العلاقات التي تجمع المقاولة المتعاقد معها بأجرائها ومورديها”، وفق تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (حكومي) صدر في عام 2018 تحت عنوان “المناولة وعلاقات الشغل: من أجل النهوض بالعمل اللائق والاستدامة”.

تهديد للاستقرار الاجتماعي

لم يعرف المشرع المغربي شركات المناولة تعريفا واضحا يميز بينها وبين التشغيل المؤقت والوساطة في التشغيل، “مع الإشارة إلى أن المناولة تشمل عدة أشكال منها المقاولة بالباطن والتدبير المفوض والشراكة بين القطاعين العام والخاص والصفقات العمومية”، بحسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

وانتشرت شركات المناولة في المغرب منذ دخول مدونة الشغل (قانون العمل) حيز التنفيذ في عام 2003، خاصة في مجالات الحراسة والاستقبال والنظافة والخدمات، بـ”داعي تقليص مناصب الشغل في الميزانيات العمومية والسعي نحو تحقيق المرونة الداخلية (في أوقات العمل ومدة العمل) والخارجية (عن طريق العمل المؤقت ولبعض الوقت وخارج أماكن العمل والتسريح)، وفق ما جاء في تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والذي يلفت إلى أن المناولة أصبحت من مكونات الخدمات العمومية، عن طريق تفويض التدبير وشراكة القطاع العام مع الخاص.

عمال شركات المناولة لا يتمتعون بالحماية الاجتماعية

ويبلغ عدد شركات المناولة القانونية 700 شركة، إلى جانب آلاف الشركات التي تنشأ وتختفي في مختلف نواحي المملكة وتنشط خارج القانون، كما يؤكد المهتمون بمجال الشغل ومن بينهم منسق القطاع الخاص بالاتحاد الوطني للشغل بالمغرب (اتحاد عمالي معارض) عبد العزيز الطاشي.

وبالرغم من الأدوار التي تلعبها شركات المناولة في توفير اليد العاملة للمؤسسات العمومية والخاصة والتخفيف من عبء البطالة، إذ تشير تقديرات إحصائيات للاتحادات العمالية إلى أنها تشغل 200 ألف شخص، من بينهم 70% إلى 80% من النساء، إلا أن اتهامات بـ”خرق” قانون الشغل وبممارسة التمييز ضد النساء” توجه إليها، بحسب رئيس العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان بوبكر أونغير، محذرا من “تهديد خطير للاستقرار والسلم الاجتماعيين، بضرب الحق المقدس في العمل اللائق والعيش الكريم”.

تحايل على قانون الشغل

تقضي سهيلة البوعزاوي ( 21 عاما)، يومها بالمستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط، في التفكير بسبل تفادي ما تصفه بكابوس فقدان عملها كمساعدة إدارية في أي لحظة، جراء ما درجت عليه شركة المناولة التي تعمل معها منذ أربعة أشهر بأجر لا يتجاوز 1500 درهم (150 دولارا)، من فسخ عقد العمل قبل مرور ستة أشهر من بداية العلاقة المهنية لتجنب توقيع عقد غير محدد المدة، وفق ما تنص عليه المادة 16 من مدونة الشغل، لتستمر الحلقة المفرغة التي تضيع فيها الكثير من الحقوق من بينها الأقدمية والتغطية الصحية والتعويض عن الساعات الإضافية جراء استغلال حاجة العاملات للقبول بالعمل”، كما تقول لـ”العربي الجديد “.

وبحسب أونغير، فإن أغلب عمال شركات المناولة لا يتمتعون بالحماية الاجتماعية جراء طبيعة العقود التي تربطهم بتلك الشركات في حال وجودها، والتي تكون محددة المدة ويتم تجديدها بشكل دوري حتى لا يصبح العامل في علاقة شغل دائمة، وقد تكون عقودا غير مكتوبة، وفي حالة وجودها فإنها لا تستوفي إلا استثنائيا الشروط الواردة في المادة 501 من مدونة الشغل، والتي تمكن الأجير من الاطلاع على مضمون العقد المبرم مع المقاولة المستعملة وعلى حقوقه وواجباته التعاقدية.

وتجد شركات المناولة طرقا للتحايل على قانون الشغل تعمق معاناة الأجراء ولا تمكنهم من الاستقرار الاجتماعي والمهني الذي تضمنه لهم عقود الشغل غير محددة المدة، من خلال القيام بحل الشركة بعد إنهاء العقد (كأنها أغلقت) وفتحها باسم آخر وبنفس الأجراء، وعدم احترام المدة القصوى للمهمة المسموح بها قانونيا والمتجلية في 3 أشهر أو 6 أشهر حسب الحالات المنصوص عليها في المدونة، وفق إفادة الناشط العمالي عبد العزيز الطاشي.

ولا يبدو “غريبا أن يلجأ المتعهدون مع الإدارة إلى الأجراء المؤقتين أو غير المصرح بهم وإلى مقاولات في وضعية قانونية واجتماعية غير سليمة للقيام بمهام داخل المرفق العمومي أو لصالحه دون التقيد بشروط العمل اللائق”، كما يورد تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، موضحا: “مادام التفويض يتم لمدة محدودة، فإن المقاولة الفائزة بالصفقة تكون مدفوعة لتفادي إبرام عقود العمل غير محددة المدة وإلى التخلص من الأجراء القدامى لتخفيض التكلفة”.

ومن واقع عمله الحقوقي، يلفت أونغير إلى إلزام بعض شركات المناولة العمال على المصادقة على وثيقة تفيد حصولهم على كامل مستحقاتهم عند كل تجديد للعقد، وفي حالات أخرى، حصولهم على الحد الأدنى للأجور، بينما هم في الحقيقة لا يتقاضون إلا مبالغ هزيلة او حتى التلاعب باستفادتهم من العطلة السنوية وتعويضات الأعياد الوطنية والدينية، معتبرا ذلك “تحايلا على القانون وعلى العمال”.

لكن المسؤول عن شركة “الأخيين” للحراسة بالرباط شمال المغرب، مصطفى محين، يرد على الاتهامات السابقة بإرجاع ما يقع إلى هزالة المبالغ المرصودة للصفقات المنجزة مع مؤسسة عمومية أو خاصة، والتي تدفع تلك الشركات إلى محاولة تخفيض الكلفة.

وبينما رفضت شركات المناولة التي وثق معد التحقيق شهادات العاملات فيها، التعليق على الاتهامات الموجهة إليها، يقر أحمد الشرفي (اسم مستعار بناء على طلبه خوفا من تعرضه لمضايقات إدارية) المسؤول في شركة CLEANCO SERVICES (خاصة بالحراسة والنظافة بطنجة شمال المغرب) بأن العديد من شركات المناولة تتحايل على القانون في ما يخص حقوق العاملين، لافتا بالمقابل، إلى أن ذلك لا ينبغي أن يخفي دور الشركات الملتزمة بالقانون في توفير فرص عمل لآلاف المستخدمين، والمساهمة إلى حد كبير في امتصاص نسبة البطالة.

تحقيق متعدّد الوسائط

استعباد واستغلال

في الفترة ما بين 16 يونيو و6 يوليو/تموز الماضيين، أطلق “الاتحاد التقدمي لنساء المغرب”، يتبع “الاتحاد المغربي للشغل”(عمالي)، حملة احتجاجية تحت شعار “كفى استعباد واستغلال للنساء العاملات في شركات المناولة! امنحوهن حقوقهن من أجر يضمن العيش الكريم، وظروف العمل اللائق”، للتحذير من “عدم احترام الحد الأدنى للأجور، والحرمان من الأقدمية وغياب الاستقرار في العمل، وغياب الحماية الاجتماعية بعدم التصريح، والتصريح الناقص بالعاملات لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”. بالإضافة إلى غياب التأمين على حوادث الشغل، والحرمان من حقوق الأمومة والصحة الإنجابية، والتعرض للتحرش الجنسي، ولكل أشكال العنف والانتهاكات المرفوضة أخلاقيا واجتماعيا في غياب أية حماية قانونية حقيقية”، وفق بيان للاتحاد.

وبحسب نائبة رئيسة “الاتحاد التقدمي لنساء المغرب” أسماء لمراني، فإن شركات المناولة ساهمت في هشاشة قطاع الشغل؛ ذلك أن جل النساء يشتغلن في القطاع غير المنظم دون توفرهن على الحقوق الاجتماعية الأساسية، بما يشمل الأجرة الشهرية والتعويضات الصحية”، موضحة، في إفادة لـ “العربي الجديد”، أن الاتحاد:”تلقى خلال السنة الحالية أكثر من مئتي شكوى وملف يخص خروقات شركات المناولة التي انتشرت بشكل ضخم وأصبح حضورها قويا بالمؤسسات العمومية التي توجهت إلى خصخصة عدد من خدماتها”.

وتلفت إلى أن “العديد من شركات المناولة تغامر بصحة النساء دون أدنى تدخل من الجهات الرسمية، علما أنها تتوصل بميزانيات طائلة لتمويل القطاعات الخدماتية التي تشرف عليها؛ لكن العاملات هن الحلقة الأضعف في المنظومة”، وهو ما توثقه حالة سهام شركي، حارسة أمن خاص لدى شركة عالمية، بعد تعرضها أثناء عملها لكسر الرجل اليمنى في إبريل/نيسان الماضي وظلت لأكثر من 10 ساعات تتألم بعد منعها من قبل رئيسها المباشر من مغادرة مكان عملها بأحد فنادق طنجة (شمال المغرب) إلى المستشفى.

ونتيجة لما تواجهه فئة العاملات والعمال في شركات المناولة “من حرمان من أبسط وأدنى حقوقهم الاجتماعية والمعنوية، وما يتعرضون له من ابتزاز وتحايل وتعامل غير إنساني يجعلهم في وضعية المقهورين، بكل ما تحمله الكلمة من معنى”، كما يقول رئيس الفريق النيابي لـ حزب “التقدم والاشتراكية”، رشيد حموني لـ “العربي الجديد”، فإنه “بات من غير المقبول نهائيا مواصلة الوقوف موقف المتفرج على ما يجري في عالم الشغل وما تتعرض له تلك الفئة من أبشع أصناف الاستغلال”، ومن ذلك “التهام نسبة كبيرة من أجورهم والحرمان من التأمين على المرض ومن العطل السنوية ومن التعويض عن أيام الأعياد الوطنية والدينية المؤدى عنها، إلى جانب تعرضهم للابتزاز والتحايل لأجل حرمانهم من مستحقات الأقدمية والطرد التعسفي بلا أدنى تبعات”.

ويلفت حموني إلى أنه لجأ لمساءلة وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات يونس السكوري، فی 29 أغسطس/آب الماضي، بخصوص معاناة عمال شركات المناولة، من دون أن يتوصل بأي رد.

صيانة الكرامة حبر على ورق

يطرح ما سبق إشكالا حقيقيا عن فرض رقابة صارمة لحماية العاملات في شركات المناولة في وقت تنص فيه ديباجة مدونة الشغل على أن “العمل وسيلة أساسية من وسائل تنمية البلاد وصيانة كرامة الإنسان والنهوض بمستواه المعيشي وتحقيق الشروط المناسبة لاستقراره العائلي وتقدمه الجماعي” وعلى أنه “لا يجوز، في أي حال من الأحوال، أن يمارس العمل في ظروف تنقص من كرامة العامل”، وفق الطاشي، الذي يلفت إلى أن عبارة ” صيانة الكرامة” “تظل حبرا على ورقة مدونة الشغل، إذ إن ذلك الهدف يبقى بعيد المنال في عدة أنواع من العمل، خاصة عن طريق المناولة أو عبر الوكالات الخصوصية التي قد يصل حالة العمل من خلال أغلبها إلى مرتبة الرق والعبودية”.

غير أن وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، تقول في رد مكتوب على “العربي الجديد”، إن التعاقد مع شركات المناولة يتم إما في إطار الصفقات العمومية أو في إطار عقود مدنية أو تجارية بحسب طبيعة الأشخاص المتعاقدين، وفي جميع الأحوال، فإن هذه الشركات تخضع لأحكام التشريع الاجتماعي في مجمله (مدونة الشغل، وقانون الضمان الاجتماعي وقانون حوداث الشغل والأمراض المهنية).

وتشير إلى أن المشرع تدخل لحماية العمال من خلال إقراره للعديد من الضوابط منها: تمتيع صاحب الصفقة (الإدارة) في حال الإخلال بدفاتر التحملات بعدة اختصاصات وسلطات تسمح له بتتبع ومراقبة تدبير الصفقة، ويمكن له توقيف أو إلغاء إنجاز الصفقة. كما تنصب المراقبة والتتبع على التحقق من أن الصفقة قد أنجزت وفق المواصفات المنصوص عليها في دفتر التحملات، وكذا التأكد من مدى احترام المقتضيات التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.

ويقوم أعوان تفتيش الشغل على مستوى المديريات الجهوية والإقليمية بجميع الأبحاث والتحريات التحقق من أن الشخص الذي رست عليه صفقة عمومية لحساب الدولة أو الجماعات المحلية، قد مكن جميع الأجراء الذين اشتغلوا لحسابه في هذه الصفقة من جميع مستحقاتهم تحت طائلة عدم تسليمها الشهادة الإدارية المنصوص عليها في المادة 529 من مدونة الشغل والتي تسمح له بالإفراج عن الكفالة المالية التي وضعها ضمانا لأداء الأشغال الملزم بإنجازها في إطار الصفقة، وفق رد الوزارة.

وتمكن أعوان تفتيش الشغل، خلال عام 2021 وعبر زيارة مراقبة إلى 24.860 مؤسسة خاضعة لمجال تطبيق مدونة الشغل، من توجيه 227.830 ملاحظة منها على وجه الخصوص 17.261 ملاحظة تخص الحد الأدنى القانوني للأجر و21.449 ملاحظة تتعلق بالصحة والسلامة في العمل، و7659 ملاحظة تهم حوادث الشغل و17503 ملاحظات تتعلق بالضمان الاجتماعي، حسب إحصائيات وزارة الادماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، الواردة في رد مكتوب على سؤال برلماني في 3 سبتمبر/أيلول 2020.

وخلال النصف الأول من عام 2022 تم إنجاز 22.466 زيارة مراقبة تمكن خلالها مفتشو الشغل من توجيه 293.834 ملاحظة منها على وجه الخصوص 9569 ملاحظة تخص الحد الأدنى القانوني للأجر و7801 ملاحظة تتعلق بالصحة والسلامة في العمل و7659 ملاحظة تهم حوادث الشغل و9964 ملاحظة تتعلق بالضمان الاجتماعي، وفق إحصائيات وزارة الإدماج الاقتصادي.

وعلى الرغم من التدابير المتخذة، إلا أن الواقع يبرز أن هذه الشركات لا تخضع لأية مراقبة، خاصة في ما يتعلق بحقوق العمال، بل لا يتم احترام أغلب بنود المدونة إن لم نقل كلها، كما يؤكد الطاشي، الذي يلفت إلى أن أغلب العمال محرومين من أي وثيقة تثبت تبعيتهم للشركة التي تشغلهم وما ينتج عن ذلك من ضياع حقوقهم.

وهو ما يتفق معه أونغير، مؤكدا استمرار حالات التلاعب بالقانون من قبل الشركات واستغلال حاجة الراغبين في العمل، وغياب دوريات المراقبة التي يمكن من خلالها رصد المخالفات، وردع المخالفين للقوانين وبنود مدونة الشغل، مضيفا:” ما يثير أكثر من علامة استفهام هو مصير محاضر مفتشي الشغل بعد توجهيها إلى النيابة العامة بغرض فتح تحقيق، حيث تظل مجهولة المصير فيما تواصل تلك المقاولات عملها غير آبهة بتقارير المفتشين”.

وبينما يبدي حموني أسفه “من وقوع خروقات ومخالفات داخل، وتحت أعين، إدارات ومؤسسات عمومية يفترض فيها أن تعطي القدوة في احترام قوانين الشغل”، يرى الطاشي أن تنامي الخروقات مرده كذلك إلى “غياب أي تنظيم نقابي من شأنه أن يحرك آليات المراقبة، حيث تلجأ تلك الشركات إلى محاربة العمل النقابي بجميع الأساليب من خلال منع تأسيس مكاتب نقابية واللجوء الى التضييق على الواقفين وراءها وتهديدهم وفي بعض الأحيان طردهم”. وهو ما يفرض على الاتحادات العمالية التحرك والتوحد للترافع لدى الجهات المسؤولة، وإيجاد آليات احتجاج قوية لوضع حد لما تتعرض له العاملات من تعسفات واستغلال، كما تقول رئيسة جمعية” التحدي للمساواة والمواطنة” بشرى عبده.

العربي الجديد


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.