العرائش نيوز:
يا حسرتاه على العرائش، هي العبارة المفضلة عند سكان هذه المدينة المحاصرة بين الأطلسي و سهول لوكوس، مدينة العرائش ضاربة في جذور تاريخ المغرب وإذا اعتبرناها امتدادا لمدينة ليكسوس فهي أقدم مدينة بتاريخ المغرب، ومن الأقدم على مستوى شمال افريقيا. لكن وضعها اليوم رغم كل ما تزخر به من مؤهلات وثروات يجعلها مدينة مهملة داخل جغرافيا المغرب الحديث.
هذا الاهمال أو الحكرة الذي طال المدينة لسنوات، كوَّن في الوعي الجمعي العرائشي رد فعل انطوائي يخاف من كل جديد، كما أنه إدخل ساكنتها في نوع من تقديس النوستالجيا الشخصية وتشكيل تاريخ متوهم غير موجود في المدينة. فأصبح بذلك سكانها يئنون تحت وطأة بكائيات طللية غزلية بدون أي أساس تاريخي و لاواقعي.
عشرات التعليقات من أبناء العرائش تبكي على ماضيها بمأساوية أكبر من بكاء “أبي البقاء الرندي” للأندلس، فهل كانت عرائش الخمسينيات والستينيات والسبعينيات فيينا المغرب ؟
أغلب البكائيات تأتي من أبناء المدينة المهاجرين في الخارج، يُحملون هذا الجيل خطيئة الخيانة بتسليم المدينة للوحش الذي نهشها، وهنا علينا أن نطرح سؤالا: إذا كانت العرائش جنة في الأرض كما تصفون، لماذا هربتم منها جماعة كما لوْ حلّ بها الطاعون ؟؟ الجواب بسيط “ما كان ما يدار”.
إذا خرجت للتنزه مساء فستدخل في طواف عبثي “باسيو” ستسلم فيه على معارفك عشر مرات وكأنك تستمع لأسطوانة مجروحة، فهل هذه العرائش المدينة الأسطورة ؟
علينا وقبل البكاء على الأحجار أن نبكي على النسيج الاجتماعي الذي انفرط بشكل مخيف في نزيف هائل لساكنة المدينة منذ سبعينيات القرن الماضي. وبما أن الطبيعة تكره الفراغ فقد عوض هجرة أبناء المدينة هجرة مضادة حتى أصبح العرائشي عملة نادرة في العرائش.
وأمام الغربة التي يشعر بها ابناء المدينة داخل مدينتهم التي توسعت كما توسعت أغلب مدن المغرب ، يستجدون ماضي مطعم بكثير من المبالغات.
يا حسرتاه على العرائش، هو نداء شخص يائس يستجدي شبابه الضائع، فلعب الكرة في الأزقة الضيقة، و “قطع” البلايا سباحة و صيد السلطعون “كانغريخو” من أحجار عين شقة يجترها البعض كما لو كانت فتوحات بطولية، دون ادراك منهم ان كل هذا ليس إلا ذكريات طفولتك و شبابك تضخمه وتجعل منه تاريخا ثليد ،” ما تقيصشي حومتي ..ما تقصشي بيكالتي.. ما تقيصشي بالون ميكاصا ديالي ..، في كل تدوينة تشتم رائحة “جوطية” الماضي، فما ذنب الجيل الحالي لتفرض عليه أن الجمال كل الجمال في صور الأبيض و الأسود ؟ !
بل إن هذه الأجيال المسكونة بالماضي تعتبر إنجاز المدينة الرياضي اليوم بإمتلاكها فرق تلعب في البطولة الوطنية الأولى لكرة السلة والكرة الطائرة وكرة القدم النسائية، أقل بكثير من فرق الهواة في السبعينيات و.. ، وطبعا حتى لو لعب فريق شباب العرائش اليوم بالشامبيونز ليغ سيبكي هؤلاء على مجد كامبو البرامل وكامبو. غياسة.
العرائش مريضة بذاكرتها المثخنة و للأمانة هذا المرض لا يمس العرائش وحدها بل أغلب المدن العريقة في المغرب، وأضرب هنا مثلا بطنجة التي يشهد الجميع أنها أفضل بكثير مما كانت عليها ، إلا “طنجاوا الحورين” يحنون إلى طنجة محمد شكري بمواخيرها و شمكارتها و رائحة بوخرارو طبعا ..، فطنجة اليوم مليئة بالغزاة أو كما يسمونهم “العروبية”.
علينا ان ان نتخلص أولا من ماضي تضخم بشكل مرضي وهذا الأمر لايتم إلا بقراءة التاريخ بموضوعية وسأستدل هنا بشهادة مسؤول اسباني زار العرائش في القرن 16، حيث يصف انطونيو دي سان مارتين العرائش في كتابه مدينة النعاس ب ( هي مدينة حزينة، ومظلمة، وتكاد تتحول إلى أطلال)
وفي مقطع آخر ( ليس من الغريب ان تشاهد في أزقة العرائش الملتوية التي لا يهتم أحد بتنظيفها، حميرا وكلابا نافقة ..وأكوان من التين الشوكي التي تتعفن في الهواء الطلق ) هذه الشهادة البسيطة أمام العديد من الشواهد في كتب التاريخ كفيلة بإيقاظنا من أحلام ألف ليلة وليلة التي نعيشها .
والغريب في الأمر أن الأجيال الجديدة أجيال التسعينيات و الألفية تجتر نفس الاسطورة “يا حسرتاه على العرائش، ولو امسكت أي واحد منه وارسلته الى الحقبة التي يتحسر عليها عرائش الخمسينات و السبعينات ، سينتحر بعد 24 ساعة من الملل والفراغ و الحمرية.
العرائش مدينة جميلة وتزخر بمؤهلات كبيرة لكنها سجينة تصورات مغلوطة حرروا العرائش من اوهامكم ، واتركوها لرؤيا جديدة ، لعل هذه الأجيال تنجح في بناء المدينة التي هربتم منها وتركتموها خرابا حولتموه إلى أحجار مقدسة.
م. ص


رائع:
اعجبني محتوى المقال…هذه النوستالجيا لدى العرائشيين نجدها في كل المدن العريقة وتطوان وطنجة ووزان وشفشاون وغيرها…لن ادخل في تفاصيل هذه الوضعية،وأنا أرى بان العرائش مظلومة:إقليما ومدينة مقارنة بالامكانيات الموجودة… ميناء العرائش مثلا كان يعتبر في بداية القرن الماضي واحدا من اهم موانئ بلدنا إن لم يكن أهمها…العرائش كان بها سكة حديد تربطها بالقصر الكبير…العرائش حاليا غير مرتبطة بالقرار فائق السرعة…هذه امور كانت وكائنة…فما كان ولم يعد موجودا اصبح من اختصاص المؤرخين،وما هو كائن وغير موجود بالعرائش له مداخله…من اكثر الامور التي تلفت انتباهي،كوافد قديم على هذه المدينة،هو ان القائمين على تدبير شؤونها حاليا لا يلتفتون الى امور قد تبدو بسيطة ولكنها مفيدة لدورها في مزيد من اشعاع المدينة،من بين هذه الامور لوحات الشوارع والساحات والفضاءات العمومية والتي تخلو من أية جمالية باستثناء بعض اللوحات التي توجد ببعض أزقة المدينة القديمة والتي أشرفت على وضعها احدى الجمعيات،وهي مشكورة على ذلك…كنموذج بسيط:حديقة الاسود:لا توجد لوحة تعريفية بها عن تاريخ احداثها مثلا وهندستها…الخ…مقابل هذه الحديقة توجد عمارة كانت تحتها محطة وقود…واجهة هذه العمارة توجد عليها تماثيل لرؤوس بشرية تكاد تندثر في غياب أي اهتمام باصلاحها…في مقبرة المسيحيين قرب مقر المقاطعة الأولى يرقد جثمان واحد من اشهر أدباء فرنسا والعالم وهو جان جينيه الذي قد نختلف معه او حوله لكنه قامة أدبية مرموقة غير ان تواجده بالعرائش لا يتم استثماره بل لا توجد لوحة تشوير تشير الى مكان دفنه…شارع مالك بن مرحل…هكذا كتب اسم الشاعر المريني الكبير مالك بن المرحل وليس بن مرحل…حتى كتابة اسمه بالاحرف اللاتينية جاءت هكذا:Morhil وهذا خطأ فادح يدل على ان من اقترح كتابة لوحة الشارع لم يكلف نفسه البحث عن الاسم الصحيح للشاعر الكبير…كم مرة كتبت على هذا المنبر بضرورة الانتباه إلى إعادة تصحيح أسماء الشوارع والساحات والفضاءات العمومية وتزويد اللوحات بنبذة تعريفية قصيرة عن الاسم حتى يستفيد المواطن…مثلا:ساحة بئر انزارن…لو سألت احدهم عن مدلول هذا الاسم فلن تجد عنده جوابا مقنعا خاصة من الشباب…سليمان العرائشي:من من شباب العرائش وحتى من كثير من كبار السن يعرف عن هذا المقاوم شيئا علما انه كان رفيقا للشهيد الزرقطوني…مكتبة عبد الصمد الكنفاوي:لوحة مكتوبة من دون أية اضافات حول صاحب الاسم…بناية البريد بمركز المدينة:متى تم بناؤها وهل كانت مخصصة البريد عند بنائها؟كنيسة المدينة:متى بنيت؟سينما ابينيدا…الخ…معالم جميلة لكنها تفتقد إلى لمسات التعريف بها…السوق المركزي: متى تم بناؤه؟منارة المدينة…حصن اللقلاق…وهكذا… فهل تتحرك العرائش نيوز من اجل مبادرة تحريك من يهمه الامر في أفق احداث تغيير يضفي رونقا جميلا على لوحات شوارع المدينة وساحاتها وفضاءاتها وشخصياتها ورموزها الوطنية والاجنبية؟أيضا:سينما ايديال مسرح سيرفانتيس…سينما كوليسيو…حتى وان اندثرت فيمكن وضع لوحة تعريفية بمكان تواجدها…اتمنى ذلك…أعتذر عن الإطالة…
سعدنا جدا بتفاعلك، وردك نعتبره اضافة هامة وسنقوم بنشره على الموقع كل التقدير و الاحترام