الحزب السري

العرائش نيوز: 
سليمان الريسوني

تابعت، من مسافة، جدل الصور المنسوبة إلى البرلمانية آمنة ماء العينين، منذ خروج محاميين للحديث عن توفرهم عليها، قبل أن تنشرها جرائد ومواقع بعينها.

ولعل من يدافعون الآن عن ترويج تلك الصور، كانوا سيكونون في موقف أحسن لو أنها نشرت في الصحافة دون أن تسبقها حملة تهديد وتشهير من لدن محامين، لأن الصحافي –وبصرف النظر عن المسؤولية الأخلاقية- يبحث عن المعلومة والوثيقة لنشرها، حتى لو كان مصدرها أحيانا جهات أمنية استعلاماتية، على ألا تصبح هذه الجهات مصدره الوحيد، وإلا أصبحنا أمام صحافة شبيهة بالتي ظهرت وازدهرت في أنظمة بوليسية مثل تونس بنعلي، والتي جعلت رجلا فاضلا مثل الشيخ عبد الفتاح مورو يصرخ: «كيف أقول للتونسيين إن تلك السيدة التي تظهر عارية في الصور هي زوجتي؟».

لكن، أن تبادر «ماركة» بعينها من المحامين إلى الحديث عن توفرها على صور آمنة ماء العينين، ثم تتبعها ماركة مماثلة من الصحافيين وتنشر تلك الصور، وتعقبهما حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تزعمها أعضاء بالحزب الذي قال عنه عبد الواحد الراضي إنه «يعيش انتحارا جماعيا ممنهجا»، فهذا يقطع كل شك في أن الحزب السري، الذي أسسه اكديرة وطوره البصري، قد عاد بقوة.

وليس أسوأ وأمرَّ على عبد الرحيم بوعبيد من أن يرى من قبره منتسبين إليه ينخرطون في هذا الحزب السري، ويتكالبون مع الشيطان على امرأة أصبحت مزعجة ومحرجة حتى لجزء كبير من قيادة حزبها، وربطت علاقات واسعة مع شخصيات علمانية، ولم يسبق أن عبرت عن موقف أصولي من قضايا الحريات الفردية.

فهل الصور التي تحدث عنها المحاميان، لحبيب حاجي ومحمد الهيني، هي صور غير مختلقة لآمنة ماء العينين؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، فهل يحق لمسؤولة في حزب يقرن كثير من أعضائه العفة بالحجاب أن تكشف شعرها وأطرافها؟

إن أسئلة كهذه، وعلى أهميتها، لا قيمة لها أمام خطورة أعمال الحزب السري الذي تفتح أمامه جهات في السلطة بنك المعلومات والوثائق الحميمة لأشخاص مزعجين، وتطلق يده في نهش الأعراض وتدمير عائلات وأطفال صغار.

إن المحاميين والصحافيين الذين يقبلون على أنفسهم القيام بأدوار قذرة كهذه، والجهات التي تحركهم من خلف ستار، يشتغلون بعقلية لص محترف، إذا أمسكته في منزلك وأخرجته إلى الشارع، بدأ في الصياح: «لقد رأيت صاحب المنزل هذا عاريا يمارس الجنس على امرأة أجنبية»، فيحول الناس أنظارهم من اللص إلى صاحب المنزل.

إن الذين روجوا لهذه الصور يعبرون عن حالة من ثلاث؛ إما لصوص دخلوا إلى بيت أو هاتف آمنة ماء العينين، وسرقوا معلومات وصورا تخصها، وإما متلصصون تعقبوها وصوروها للتشهير بها، وإما مُزوِّرون اختلقوا تلك الصور والمعلومات، وهم في كل الأحوال -اللص والمُشهِّر والمزور- مجرمون في نظر القانون.

لقد أصبح الحزب السري عابرا للأحزاب السياسية، فأصبحت لديه قيادات وقواعد وناطقون رسميون وأذرع إعلامية وإمكانات مالية، وينخرط فيه محامون ومحسوبون على القضاء ورؤساء جمعيات ومسؤولون في مؤسسات حقوقية رسمية وقيادات أحزاب، كما سطا على شهداء (بنجلون وآيت الجيد) وقرصن قيما أفرغها من أي معنى…

وهو في ذلك يهتدي بالحزب السري الذي أشرف عليه أحمد رضا اكديرة في الستينيات، والذي أيضا كان ينادي بالاشتراكية والديمقراطية وحرية المعتقد، ويتبنى عباس المسعدي، ولا يتردد في التشهير بالمهدي بنبركة، ونشر صورة مختلقة لعلال الفاسي، يظهر فيها وهو يعانق فتاة شبه عارية تجلس على ركبتيه، في جريدة «les Phares» التي كان اكديرة مديرا لها.

لقد أصبح الحزب السري، الآن، مكلفا بالتشويش على النضالات الاجتماعية، حيث يدفع محسوبين عليه إلى الانخراط فيها لتمييعها، وتنصيب محاميه للدفاع عن معتقليها، وخلق منظمات حقوقية وهمية، وتمويل منابر إعلامية، كما يضطلع بمهمة التضييق على الصحافة المستقلة، والتشهير بالمدافعين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ختاما، إن حزب العدالة والتنمية، الذي تنتمي إليه السيدة آمنة ماء العينين، عليه أن يخرج من حالة التردد، والوقوف في المنزلة بين المنزلتين، وأن يقرن بيانات الشجب والإدانة، التي تصدرها أمانته العامة، بالتحركات السياسية المناسبة، فهو يتوفر على أزيد من خمس أعضاء مجلس النواب، وهو النصاب الكافي من أجل تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول طرق اشتغال الحزب السري، ومدى تسربه إلى مؤسسات الدولة، واستعمالها في تصفية الحسابات، وكذا التقصي في مصادر تمويل الحملات التشهيرية التي تنفذها المواقع والوسائط الإعلامية إياها، وتتزعمها أمام المحاكم الوجوه نفسها.

إن جر النقاش إلى شعر آمنة ماء العينين أو ذراعيها وساقيها، أو إلى تناقضات خطابها وممارستها، إن وجدت، هو تحريف للنقاش الحقيقي وتستر على جريمة التطاول على الحياة الخاصة للناس ووضعها بين أيدي مرضى وعديمي الأخلاق للتلاعب بها وإلحاق الأذى بأشخاص مزعجين وبأطفالهم وعائلاتهم.


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.