حكاية الصاروخ فرط صوتي اليمني

العرائش نيوز:

حسيم مجدوبي

يوم 14 مارس 2024، خرج الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي ليكذب تصريح الحوثيين بامتلاكهم صاروخا فرط صوتي، لأنه يدرك ما معنى امتلاك هذا السلاح، ويوم 15 سبتمبر/أيلول 2024، يستعمل الحوثيون هذا الصاروخ لضرب عمق الكيان الإسرائيلي. حدث يثير الهلع نسبيا في صفوف الغرب، بسبب الوضع الشائك في الخليج والشرق الأوسط.
بدأت الحكاية يوم 14 مارس، حيث تنقل الوكالة الروسية نوفوستي عن مصدر يمني امتلاك هذا البلد للسلاح الفرط صوتي، وكتبت «اختبرت القوات اليمنية صاروخاً تفوق سرعته سرعة الصوت 8 ماخ حوالي عشرة آلاف كلم في الساعة وذا قوة فتاكة عالية»، وتابع «هناك نية لإطلاق إنتاجه وإدخال مثل هذه الصواريخ في ترسانتنا العسكرية، للاستخدام في الهجمات في البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن واستهداف مواقع في إسرائيل».

لم يهتم الإعلام العربي بالحدث، واكتفى بنشر خبر صغير عنه، إذ عادة لا يثق الاعلاميون العرب في الأخبار المتعلقة بنوعية الأسلحة الجديدة، التي تظهر في الشرق الأوسط، وقد يعود هذا إلى استمرار الانبهار بالسلاح الغربي، لكن واشنطن اضطرت إلى تكذيب الخبر، على لسان الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي. ويحمل خروج هذا المسؤول بالضبط رمزية كبرى، لأنه الناطق باسم مجلس يسهر على أمن وسلامة الولايات المتحدة والغرب. لم تكتف واشنطن بتكذيب واحد، بل نقلت وكالة «اسوشيتد برس» في اليوم نفسه عن المتحدثة باسم البنتاغون سابرينا سينغ قولها: «ليس لدينا ما يشير إلى أن الحوثيين لديهم صواريخ فرط صوتية». لكن البنتاغون، ووعيا منه بمفاجأة ما، ترك باب التكهن بالأسوأ مفتوحا، حيث نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤول أمريكي كبير قوله وقتها إن «الحوثيين أجروا تجربة إطلاق صاروخ جديد متوسط المدى»، وترك الغموض حول نوعيته. وكانت «سي أن إن» قد نقلت عن مسؤول عسكري كبير أن «الحوثيين يواصلون مفاجأتنا وليس لدينا فكرة عما لديهم من أسلحة». تكذيب واشنطن رسميا لخبر حصول الحوثيين على صواريخ فرط صوتية يعود إلى سببين: الأول نفسي وذاتي، لا يمكن لواشنطن تقبل فكرة حصول الحوثيين على صواريخ فرط صوتية قبل الولايات المتحدة، التي لديها باع كبير في الصناعة الحربية. إذ أن أول دولة امتلكت الصواريخ فرط صوتية هي روسيا ابتداء من سنة 2017 خاصة مع صاروخ زيركون، ثم الصين وجاء الإعلان الإيراني خلال مارس 2023 وكوريا الشمالية. بينما الولايات المتحدة أعلنت عن أول صاروخ فرط صوتي حقيقي في أبريل 2024، ويتعلق الأمر بصاروخ ماكو MAKOمن إنتاج لوكهيد مارتن لتزويد مقاتلات أف 35 وأف 22، وربما الغواصات والسفن مستقبلا. لم تشكك واشنطن لوحدها في امتلاك الحوثيين هذا السلاح، بل حتى خبراء روسيا، في هذا الصدد، قال أندريه كلينتسفيتش الخبير العسكري، ورئيس مركز دراسة النزاعات العسكرية والسياسية في موسكو خلال مارس الماضي «مثل هذه الصواريخ تُستخدم في روسيا ضد أوكرانيا، كما أنها عُرضت خلال التدريبات والاستعراضات في الصين وكوريا الشمالية». وتابع «أشكك في امتلاك جماعة الحوثي الكفاءات اللازمة في مجال علوم المواد والمعادن الحرارية لإنتاج مثل هذه الصواريخ بشكل مستقل، وأضاف أن «الولايات المتحدة، بمجمّعها الصناعي الدفاعي بأكمله، لا يمكنها إكمال إنشاء أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت، ووضعها في الخدمة بهذه السرعة». وتبددت جميع الشكوك يوم 15 سبتمبر الجاري، بضرب الحوثيين إسرائيل، لا يهم حجم الخسائر، لكن ما يمكن أن يشكله مستقبلا. قد يكون الصاروخ من إنتاج يمني، أو يتعلق الأمر بتفويت إيران صواريخ فرط صوتية جاهزة للحوثيين أو جرى تجميع أجزاء الصاروخ في اليمن اعتمادا على التكنولوجيا الإيرانية. يبقى المعطى الرئيسي هو امتلاك الحوثيين لصواريخ فرط صوتية، وهو ما لا يتوفر لدول من حجم فرنسا وبريطانيا.
ويتجلى السبب الثاني في التغيير الذي تحمله تقنية صواريخ فرط صوتية، لأنها صواريخ لا يمكن لأي نظام مضاد للصواريخ حتى الآن اعتراضها، نظرا لسرعتها الفائقة ثم المناورة. ولم تنجح المدمرات الأمريكية في البحر الأحمر وشرق المتوسط التي تتوفر على نظام أيجيس الدفاعي «الدرع الصاروخي» ولا «أنظمة إسرائيل الدفاعية في اعتراض الصاروخ اليمني الذي قطع مسافة 2040 كلم في 11 دقيقة ونصف الدقيقة. وعليه، إذا امتلك الحوثيون بعضا من هذه الصواريخ، فهم قادرون على زرع الرعب في إسرائيل وإغلاق باب المندب أمام الملاحة الدولية بصورة مطلقة، علاوة على ما يشكل من خطر على السفن الأمريكية لو قرر أنصار الله استهدافها. وترى واشنطن أبعد من كل هذا، إذ تتخوف من انتشار الصواريخ فرط صوتية وامتلاك عدد من الدول لها مثل ما يحدث حاليا مع المسيرات التي تقوم كل من إيران وتركيا بتصنيعها، ودورها في الحرب الروسية – الأوكرانية. استعمال الحوثيين لهذا الصاروخ، سيجعل إسرائيل تفكر جيدا في جدوى حرب مع إيران أو شن الولايات المتحدة الحرب على هذا البلد الفارسي. في ظرف سنوات قليلة، شكل الحوثيون مصدر قلق حقيقي للبنتاغون، خلال نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2017، قصف الحوثيون بصاروخ باليستي مطار الرياض خلال حرب عاصفة الحزم، وتبين لاحقا، وفق تقرير لـ»نيويورك تايمز» يوم 4 ديسمبر/كانون الأول 2017 وقّعه ثلاثة خبراء، أن نظام باتريوت فشل في اعتراض الصاروخ اليمني، ودقوا ناقوس الخطر بأن أنظمة باتريوت لم تعد في المستوى، وهذا خطير على الأمن القومي الأمريكي الذي يعتمد هذا النظام في دفاعه ضمن أخرى مثل الثاد. سبع سنوات بعد ذلك، وبالضبط يوم 15 سبتمبر 2024، يضاعف الحوثيون من قلق البنتاغون لأن جميع أنظمتهم المتطورة لم ترصد الصاروخ الذي ضرب إسرائيل.
إنها حكاية الصاروخ اليمني الذي سارع البيت الأبيض إلى تكذيب حصول الحوثيين عليه في مارس الماضي دفاعا عن كبرياء الصناعة الحربية الأمريكية، أصبح واقعا اليوم بعد 15 سبتمبر الجاري. وسيحتفظ تاريخ صناعة السلاح وتاريخ الحروب بأن جماعة اسمها الحوثيين امتلكت صاروخا فرط صوتي قبل واشنطن، وأن اليمن هو ثاني دولة في تاريخ الحروب استعمل صاروخا فرط صوتي بعد روسيا.

القدس العربي


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.