تكلفة الحج

العرائش نيوز:

علي انوزلا

حدّدت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية مصاريف الحج للموسم الحالي في 49906 دراهم مغربية (5222 دولاراً). ولا يشمل هذا المبلغ، كما توضح الوزارة، مصاريف الجيب التي يمكن الحصول عليها عن طريق الاستفادة من الحصّة التي يسمح للحجاج بصرفها إلى الريال السعودي، والمحدّدة هي الأخرى في 15000 درهم (نحو 1570 دولاراً). وبالنسبة لمن يمتلكون إمكانات مادّية أكبر يمكنهم الاستفادة أيضاً من الحصة القانونية القابلة للتحويل، والخاصة بالسياحية والمحددة في 45000 درهم (4709 دولارات). وبعملية حسابية بسيطة، فإن التكلفة الأدنى للحج بالنسبة لفقراء المغرب هي 64906 دراهم، (6789 دولاراً). وللطبقات المتوسطة، قد تصل التكلفة إلى 109906 دراهم (11496 دولاراً). وهذا فقط، في ما يخص الحج “الحكومي”، أي الذي تنظمه وترعاه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب، وهو يخضع إلى معايير دقيقية تقوم على نظام القرعة. أما الحجاج الميسورون الذين يختارون الحج عبر وكالات الأسفار، فقد تصل التكلفة إلى ضعف هذا المبلغ.
يحدث هذا في بلد يبلغ فيه مستوى دخل الفرد سنوياً 52160 درهماً، أو ما يعادل 5456 دولاراً، حسب أحدث تقرير صادر عن منتدى الاقتصاد والأعمال في الأمم المتحدة، ولا يتجاوز فيه الحدّ الأدنى للأجور شهرياً نحو 1800 درهم (188 دولاراً)، في القطاع الفلاحي، ونحو 2500 درهم (261 دولاراً) شهرياً في باقي القطاعات. ونادراً ما يُحترم هذا السقف للحدّ الأدنى للأجور من أرباب العمل، بمن فيهم الدولة. وليس خافياً أن أكبر عدد من الحجاج المغاربة هم من الفئة الفقيرة أو الطبقة المتوسطة، في بلد تقدر فيه نسبة السكان التي تعاني من الحرمان الشديد بـ45.7%، حسب مؤشر الفقر المتعدّد الأبعاد، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هذا العام.
وتكاد الصورة في المغرب لا تختلف عما هي عليه في أغلب الدول الإسلامية، حيث يكافح 

الفقراء من أجل جمع مبالغ طائلة لتحقيق “حجّة” العمر. وفي المقابل، نادراً ما نجد نقاشاً عاماً في هذا الموضوع، الذي يعتبره بعضهم من “المحرّمات”، فما الذي يجعل تكلفة الحج مرتفعة، مقارنة مع باقي الأسفار التي يقوم بها الإنسان، بما فيها التي تقصد الأماكن الأكثر جذباً للسيّاح في العالم؟ ولماذا هذا السكوت المتواطئ عن مناقشة موضوعٍ هو في صميم الحياة، بل في صميم الدين؟
ما يجعل تكلفة الحج مرتفعة الجهات التي ترعى تنظيمها، سواء تعلق الأمر بالدولة السعودية التي تفرض واجباتٍ معينة على كل حاج أداؤها إذا أراد الحج، أو الدولة مصدر الحجاج التي تحدد لحجّاجها المبالغ التي عليهم دفعها مسبقاً من أجل استيفاء شروطها التي تلزمهم بها، كما هو الشأن في الحالة المغربية هنا. وتتدخل هنا عدة عوامل ترفع من تكلفة الحج، لعل أهمّها وأبرزها استمرار احتكار شركة الطيران السعودية، وشركات الطيران المحلية نقل الحجاج بأسعار مرتفعة في وقتٍ توجد في العالم شركات طيران منخفضة التكلفة تتيح السفر للجميع بأسعار تلائم ميزانية كل مسافر، فما الذي يمنع الدولة السعودية، أو الدول الإسلامية المصدّرة للحجيج، إيجاد شركات طيران موازية منخفضة التكلفة، لجعل السفر إلى الحج متيسراً للجميع، كل حسب إمكاناته المادية؟ يضاف إلى ذلك ارتفاع مصاريف بعض الواجبات الدينية التي تؤدى مسبقاً، وبأسعار لا تناسب أسعارها الحقيقية، مثل الأضاحي، وما يرافقها من خدمات مدفوعة سلفاً، وارتفاع أسعار الإقامة في شروطٍ يشتكي منها الحجاج الفقراء كل سنة، لأنها بكل بساطة لا تحترم آدميتهم!
لقد تحوّل الحج إلى عملية اقتصادية مربحة، سواء بالنسبة للدول المصدّرة للحجاج، أو للدولة السعودية التي تعتبر أكبر مستفيد من مداخيل الحج التي تقدرها تقارير متطابقة ورسمية بنحو 19 مليار دولار سنوياً، تدخل إلى خزينة الدولة السعودية، في حين أنّ الحج هو أكبر وقف إسلامي، كان يفترض أن تذهب أرباحه إلى فقراء المسلمين عبر العالم.
وعلى تكلفة الحج ألا تبقى من المحرّمات التي يجب عدم الاقتراب منها، وخصوصاً عندما 

تتحول إلى عملية استغلال فجّ لفقراء المسلمين عبر العالم، وتوظف مداخيلها لأغراضٍ سياسية تمثلها سياسة الدولة السعودية، التي تنخرط اليوم في حربٍ مدمرة في اليمن، فهل يقبل الحجاج الفقراء أن تذهب مصاريف حجّهم التي يقضون العمر في اقتصادها إلى تنفيذ سياسة عدوانية ضد شعب مسلم فقير، مثل الشعب اليمني؟ هذه هي رسالة علماء الدين الأحرار الذين عليهم التصدي لهذا الاستغلال البشع لفقراء المسلمين، في واحد من أعظم أركان الإسلام، وفي أرضٍ تعتبر من أطهر بقاع الأرض.
الدعوة إلى تغيير هذا الواقع، إذا لم تتم بالنصيحة، يجب أن تتم قسراً عبر سلاح “المقاطعة” للحج. وهنا دور علماء الدين الشجعان لإصدار فتاوى تبرّر هذه المقاطعة، فالحج يبقى في نهاية المطاف فرض كفاية. وعبر التاريخ الإسلامي انقطع الحج عدة سنوات متتالية لأسباب سياسية، كما حصل في عهد القرامطة الذين اختطفوا الحجر الأسود عدة سنواتٍ انقطع فيها الحج. وثمّة اليوم أكثر من مبرّر ديني وإنساني واقتصادي واجتماعي لاستعمال سلاح “المقاطعة”، حتى تتغير السياسات التي حوّلت الحج إلى بقرة حلوب، وحوّلت مصاريفه إلى أغراض لا تخدم فقط الدين، وإنما تضرّ به وتضرّ بمسلمين عزّل أبرياء يقتلون منذ أربع سنوات ونيف على مقربة من بلاد الحج التي يجب أن تعود إلى ما كانت عليه، بلاد طمأنينة وسلام، من دخل إليها فهو آمن، ومن خرج منها خرج آمناً سالماً غانماً، ومن سكن فيها فهو آمن.


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.