هل سينجح البام في قتل الأب؟

العرائش نيوز: 

المعطي منجب

ظهر حزب الأصالة والمعاصرة (والبام اسم شهرته) للوجود منذ حوالي إثنتي عشرة سنة. خلقته الدولة من عدم أو يكاد ثم وضعت في خدمته وعلى طبق من ذهب كل مواردها المادية، بما فيها المالية، والرمزية بما فيها الملكية و«ثوابتها المقدسة». كان هدف الحزب الأساسي هو أن تبقى السلطة والثروة حصراً على نفس الأيدي أي النخبة المولوية وحلفائها التي تحكم المغرب منذ الاستقلال وإن كانت تتفضل، أثناء الأزمات الخطيرة كأزمة الحراك الربيعي سنة 2011، ببعض الفتات من السلطة والمناصب على رجال هذا التيار الشعبي أو ذاك حتى يقيها مخاطر الصدام مع الشارع.
مناسبة هذا المقال أنه حدث ما لم يكن في حسبان وهو «انتخاب» كأمين عام للبام، يساري سابق، انتمى في شبابه لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. الغريب ان السيد عبد اللطيف وهبي لم يغيّر بشكل جذري من خطابه اليساري النقدي (وإن كانت تعابير من مثل صاحب الجلالة وجلالة الملك أصبحت حاضرة أكثر في تصريحاته وكتاباته) منذ انتمائه لحزب الأصالة والمعاصرة سنة الربيع العربي. انتخب اذن عضواً بمجلس النواب على لائحة البام، أشهراً فقط بعد انتمائه للحزب. كان يؤكد لأصدقائه انه لم يغيّر ولن يغيّر أفكاره وقيمه وفعلا ورغم انه كان رئيسا للفريق النيابي للبام، أي حزب النظام، فإنه كان من البرلمانيين القلائل الذين انتقدوا بشدة مشروع قانون يعفي الجنود من المتابعات الجنائية في حالة ارتكابهم مخالفات إذا تطلب الوضع الداخلي تدخل الجيش. تم عقابه على ذلك بالتخلص منه بالتي هي أحسن بأن رجع إلى مقعده كنائب عادي. لكن بعض خرجاته المنتقدة ضمنيا للنظام أو المساندة صراحة لعبد الاله بنكيران جلبت اليه الأنظار من حين لآخر وجعلت منه شيئا فشيئا القيادي الأكثر شعبية لدى قواعد حزبه. فأغلب هؤلاء غير مسيسين وإنما دخلوا الحزب نظراً لما أتاحه من تدوير للنخب المحلية واعتباراً لحظوته الكبيرة،كحزب دولة، لدى الإدارة الترابية لِما تتيحه هاته من مغانم شبه مضمونة داخل المجالس المنتخبة المحلية والجهوية خصوصا في المناطق القروية. يظهر أن السيد وهبي بتجربته الطويلة داخل المنظمات اليسارية كان يشعر أكثر من غيره أن قواعد حزبه كأغلب قواعد الأحزاب تميل لانتقاد الأوضاع والنظام إذ لا تفكر بنفس طريقة الحكام. وهكذا حصل، وكان الحزب إذاك في بداياته، أن في أحد لقاءاته التنظيمية الكبرى، تقدم الضيف الفلسطيني للمنصة فهتفت جماهير الحزب «حماس! حماس!» محرجة قيادة الحزب، فمؤسسوه يعتبرون علانية أن حماس تنظيم يتوجب تجنبه والاحتراز منه.

السلطة سعيدة بصعود وهبي إلى قمرة القيادة، فعلى بنكيران أن يبحث عن عدو جديد يعبىء به ناخبيه ويملأ بفضله وبسهولة صناديق الاقتراع

برهن القائد الجديد للبام عن مهارة كبيرة في لعبة خطيرة لا ينجح فيه إلا القليلون، وهي تقديم الدليل في كل آن وحين أن مهمته الأساسية واليومية هي خدمة النظام القائم ولكن مع ذلك وفي الوقت نفسه إرسال إشارات للرأي العام أنه ضد المنحى الضبطي والتحكمي الذي تسير فيه الدولة منذ بدايات الثورة المضادة في المنطقة العربية. فعبد اللطيف وهبي تجرأ على زيارة الصحافي المعتقل توفيق بوعشرين في سجنه كما عبّر عدة مرات عن انزعاجه من أن قيادة حزبه لا تملك أي استقلالية وأنها تتحرك بالروموت بل وصل به الأمر الى القول إن البام يجب ألا يبقى مجرد «هاتف في جيب» أحد. وعبر وهبي كذلك عدة مرات عن موقفه الرافض للحصار الذي يعاني منه حزب العدالة والتنمية من لدن أحزاب الدولة بأجيالها المختلفة، بل إنه ردّ، مباشرة قبيل المؤتمر، على منتقديه داخل قيادة حزبه والذين يتهمونه بالتطبيع مع الإسلام السياسي بالقول إن إمارة المؤمنين تجسد هي نفسها إسلاما سياسيا.
ظن منافسوه على قيادة الحزب انه ارتكب بهذا التصريح خطأ قاتلاً بل وجرماً تجاه النظام سيزيحه ولا شك نهائيا من لائحة المتبارين على الأمانة العامة.
الأمين العام السابق والخصم اللدود لوهبي حاول الاستنجاد بحراس معبد السلطة والقداسة بقول ما معناه إن تصريح وهبي يضرب في الصميم أحد مرتكزات مشروعية النظام الملكي بالمغرب. ولكن كلام الأخير تبخر في الهواء ولم يهتم به لا أصحاب السلطة ولا المؤتمرون الذين حاول بعضهم – في فوضى عارمة- ضربه فلم «تنجه إلا كعابه» كما يقول المغاربة اذ هرب لا يلوي على شيء.
وأخيراً كما قلنا في البداية «انتخب» المؤتمر الرابع لحزب الأصالة والمعاصرة وهبي لقيادته ولكن لا يظنن احد أن وهبي زعيما ديمقراطيا، اختير ديمقراطيا، لقيادة حزب ديمقراطي! البام ما زال حزب الدولة الأول ولن يجرؤ زعيمه الجديد على إحداث أية قطيعة مع هويته الأصلية والتي عمادها التبعية للسلطة اذ كلامه سيبقى كلاما.. وان انتخبته السلطة هذه المرة فلأن السياق يحتاجه. فالتشريعيات على الأبواب وعدوانية حزب القصر للإسلام السياسي كانت هي الورقة الأقوى بيد قيادة حزب العدالة والتنمية، إذ كانت تجعل منه هذه الأخيرة فزاعة وعنوانا للعودة التدريجية لسنوات الرصاص. السلطة سعيدة بصعود وهبي إلى قمرة القيادة فعلى حزب بنكيران أن يبحث عن عدو جديد يعبىء به ناخبته ويملأ بفضله وبسهولة صناديق الاقتراع.


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.