محاكمة الصحافي بوعشرين: لماذا السرعة القصوى؟

العرائش نيوز:

المعطي منجيب

بدا في الأسابيع الأخيرة أن المحكمة التي تنظر في قضية توفيق بوعشرين تسابق الزمن بينما كان يظهر بوضوح في البداية للمتابعين أنه شاب أطوارها تماطل كبير وخصوصا خلال الأشهر الخمسة الأولى لاعتقال الصحافي. صار يخمن البعض الآن أن هناك ضغطا ما أو تاريخا ما لا يجب تجاوزه. فما هي أسباب هذا السباق الماراثوني الذي أتعب بوضوح القضاة والدفاع وخصوصا المتهم المصاب بمرض السكري؟
أولا: قد يكون هذا التاريخ الضاغط هو موعد انعقاد اجتماع الفريق الأممي العامل حول الاعتقال التعسفي في جنيف والذي سجل من بين القضايا التي سيثيرها في النصف الثاني من هذا الشهر قضية الصحافي بوعشرين، فالحكومة المغربية تفضل أن يكون الأمر قد حسم حتى يمكنها استعمال الحكم القضائي كدليل على ثبوت التهم ضد المتابع.
ثانيا: كلما طالت المحاكمة تعرف الرأي العام المغربي وضمنه جزء من النخبة المقربة من النظام على أبعادها السياسية وعلى الخروقات القانونية الخطيرة التي تشوبها. وهو ما يدل عليه مثلا موقف بعض الشخصيات الإصلاحية غير المعروفة بمعارضتها للحكم والتي عبرت، في الأيام الأخيرة، عن مساندتها للصحافي في محنته، معتبرة أن المحاكمة استهداف لخطه التحريري ولمؤسسته الإعلامية. وهكذا صرح محمد الخليفة، وهو أحد زعماء حزب الاستقلال التاريخيين، أنه « اتضح الآن لكل متتبع لمحاكمة الصحافي اللامع بوعشرين أن جريمته الوحيدة هي أنه تبنى بقلمه وفكره قضية بناء المغرب الذي ينشده كل ذي ضمير حي ووطني (…) إن ما يتم الترويج له هو مجرد اتهامات باطلة لا يصدقها عقل ولا يسوغها منطق (…) نحن أمام سيناريو، إن لم أقل مؤامرة دبرت بليل من أجل إلباسها لبوس الجريمة».
كما أن إسماعيل العلوي الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية المشارك في الحكومة، قد نبه الحاكمين على «أن اعتقال بوعشرين لا يخلو من خطورة لأن المس بحرية الرأي والصحافة هو من أخطر الأمور التي يمكن أن تحدث». بالإضافة إلى هذا، أعلنت هاتان الشخصيتان البارزتان انضمامهما إلى «لجنة الحقيقة والعدالة في قضية الصحافي توفيق بوعشرين»، التي تأسست في يونيو ـ حزيران الماضي لمتابعة أطوار المحاكمة وتنوير الرأي العام حول مجرياتها القضائية والسياسية، بالإضافة إلى إسماعيل العلوي ومحمد الخليفة، أدلى بدلوه في القضية الوزير السابق، عبد الحق التازي، الذي كان واضحا فيما يخص تأثير طول المحاكمة وسياقها المتوتر، على رؤيته للأمور. صرح التازي: «بعد مرور أكثر من 250 يوما على المسرحية الرديئة لاعتقال ومحاكمة الصحافي توفيق بوعشرين، زاد يقيني بأنه كبش فداء لمن لا يطيقون النقد والمعارضة من أي جهة كانت، خاصة إذا كانت من صحافي مهني مقتدر (…) أتمنى كجميع المغاربة أن يدفع ما حصل للصحافي جمال خاشقجي وللنظام السعودي، بالذين خططوا للمحاكمة البئيسة لبوعشرين، أن يطلقوا سراحه فورا وهذا أضعف الإيمان».

كلما طالت المحاكمة تعرف الرأي العام المغربي وضمنه جزء من النخبة المقربة من النظام على أبعادها السياسية وعلى الخروقات القانونية الخطيرة التي تشوبها

ـ أما السبب الثالث الذي قد يكون دفع بأصحاب القرار تسريع الخطو نحو إنهاء المحاكمة، مع التخلي ربما عن التهم الأكثر غرابة كالإتجار في البشر، فهو الوقع الكبير الذي أحدثته في المغرب جريمة حكام السعودية ضد الصحافي المنشق جمال خاشقجي بحيث يربط الكثير من المواطنين الآن بين القضيتين. خصوصا بعد رفض المحكمة اللامبرر إرجاع هاتف الصحافي بوعشرين لصاحبه ليبرهن أمام العدالة بأنه تلقى فعلا رسالة عبر الوتساب من زميله خاشقجي، يحذره فيها من أنه قد يتعرض ـ أي بوعشرين ـ للاغتيال على يد عملاء الرياض بعد نقده اللاذع بل وسخريته من رجل السعودية القوي محمد بن سلمان. هذه المعلومة إذا أضيفت إلى شهادة أحد المسؤولين المغاربة أن الرباط قد تلقت فعلا شكاية من الحكومة السعودية تحتج فيها على انتقادات الصحافي بوعشرين لقيادتها، فهي تزيد من تعقيد التدبير الإعلامي الرسمي لقضية الصحافي المعتقل. ومن بين مظاهر تراجع الأطروحة الرسمية التي تقول إن بوعشرين وحش مغتصب ومتاجر في البشر وأن برنامج «البوصلة» الذي تبثه صفحة الحزب الاشتراكي الموحد، الذي التزم منذ البداية موقفا حذرا إزاء القضية، قد نشر تصريحا مهما لأحد قيادييه الأساسيين محمد الساسي. ومن بين ما أكده الأخير، وهو أستاذ جامعي مختص في القانون الجنائي، أن « الصحافي توفيق بوعشرين أزعج مجموعة من الجهات لأن لديه ارتباطا مع بنكيران ويدافع عنه ولأن لديه معلومات وما يقوله يحدث دائما… (وهذا) يكشف مجازية اللعبة».مجازية المحاكمة تظهر كذلك في رفض المحكمة لكل طلبات الدفاع وفي حملة التشهير القوية التي خاضها الإعلام المقرب من السلطة ضد «المشتكيات» والمصرحات اللائي رفضن مسايرة الأطروحة الرسمية أي اتهام بوعشرين باغتصابهن أو بيعهن للغير. وقبل الختم وللتدليل على الطابع الجائر والمسيس للمحاكمة لا بد أن نذكر، أن المحكمة لم تحترم حتى حرفية أخطر قانون يتابع بفصوله الصحافي بوعشرين وهو المتعلق بمكافحة الإتجار بالبشر. حيث يؤكد القانون رقم 27.14 في أحد فصوله: «يعاقب على جريمة الإتجار بالبشر بالسجن من عشرين إلى ثلاثين سنة» في حالة «إذا ارتكبت الجريمة ضد شخص يعاني من وضعية صعبة بسبب كبر سنه أو بسبب المرض أو الإعاقة أو ضد امرأة حامل». تغاضت النيابة العامة وهيئة المحكمة تماما عن هذا الفصل رغم وجود امرأة حامل من بين «المشتكيات». وإذا ظهر السبب بطل العجب، إذ أن قانون المسطرة الجنائية، ينص على إلزامية المرور عبر مسطرة التحقيق التي يباشرها قاضي التحقيق إذا كانت العقوبة القصوى إلى ثلاثين سنة. إلا أن من يقف وراء متابعة الصحافي لا يرغب في أن يستفيد المتهم من التحقيق الذي يوفر ضمانات كبيرة ومنها المواجهة بينه وبين «المشتكيات» وهي طريقة فعالة في إظهار الحقيقة. إلا أن الحقيقة ليست ديدن القضاء الجائر.


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.