أغنية المغتصب هو أنت: اللغة و الدلالة

العرائش نيوز:

بقلم: عزيز قنجاع

أظن أن فيديو أو أغنية “المغتصب هو أنت”، رغم ما يود أن يطرحه من قضايا وإشكالات ورسائل، إلا أنه وقع في وحل لغته، فشفافية اللغة بالفيديو كليب لا تعكس شفافية موضوعها، ولا تحمل في طياتها لا بيانا ولا قضية ولا كيانا سيكولوجيا أو منطقيا ولا حدثا أو شكلا مثاليا. لم تأت لغته دعامة شفافة لقضيته، بل نسيجا مشدودا مع موضوعه الغامض الذي اختزل في الضمائر المنفصلة جميعها التي تحفل بها اللغة العربية، فجاءت الأغنية منتزعة من سياقها الاجتماعي، إذ اكتفت الضمائر المنفصلة “أنت أنا نحن، انتوما، هوما” مثلا في الدلالة عليه، مما يجرنا جميعا منذ بداية الاستماع إلى الأغنية للتفاهة الملازمة للبحث عن دلالة أنطولوجية خفية لهذه الضمائر، عوض ما كان من المنتظر من الأغنية باعتبارها أغنية تنتقد في العمق نظرة أخلاقية للمرأة أن تعمل على توضيح متزايد لهذه القوى الغامضة، سواء اجتماعية أو سياسية المختزلة في تلك الضمائر، وإن تجاوزنا هذه التركيبة الخطابية التي نجدها في أغانينا المغربية المدعاة إنسانية أو اجتماعية التي تمتاح كلها من ضمير الغائب و الضمائر الأخرى المصاحبة حتى أنه كل يمكن أن يفهم السياق حسب حاجته، في حين كان على الخطاب النسوي في مضمونه الأخلاقي التوعوي أن  يقوم بمهمة توضيح الصامت والقسط المعاد إلى ما هو صامت المضمر في الضمائر، وظهور ذلك الجزء من الظل الذي يحجب الإنسان عن نفسه والمستتر في الغائب المحمول على الضمير، فلا نعرف شيئا عن المغتصب إلا بالإحالة إليه وباستغراقه كمغتصب.

 لا تهتم الأغنية في البحث عن العمق وتحاول بالأحرى أن تظهر التفاصيل السطحية والتفاصيل الصغيرة والانتقالات العديمة الشأن والحدود الدقيقة للعلاقات المتوترة بافتعالها لأولئك الأنتم فيغيب الربط بين الصور والأشياء كأننا في مسرح الظل  حيث الضوء لا ينير مباشرة الأشياء و العالم المفروض الحديث إليه و إصلاحه. مما خلق تنافرا اقرب إلى الفكاهة بالمحاكاة منه إلى عمل يتطلع إلى فعل جدي في موضوع أكثر جدية.

تحضر المرأة في أغنية “المغتصب هو أنت” مختزلة جدا في ذاتها فكل ما غير هي، هو الجحيم، فهي كل شيء هي الوعي التام بذاته وهي الذات الكلية والموضوع الكلي لمعرفتها الخاصة. فهي الأساس والراس كما تقول الأغنية وهي كل شيء السيدة المطلقة لاختياراتها، إنما السيدة المفتقرة لكل داع للاختيار، لأن الآخر الذي يحضر في الأغنية باسم “أنت” “انتوما” هذا الضمير المخاطب الشيطان يمنعها في الوصول إلى حلم التطابق مع نفسها، فهي المثال الموعود به دائما دون أن يتحقق أبدا، لأن الآخر المجهول الذي هو “انت” “انتوما” يطل برأسه ليخط الحدود ويضع الفواصل، فتأتي الأغنية بلا مضمون تماما ويسقطها في فراغ من القول وفي خطاب منتزع من سياقه الاجتماعي ومفتقر لشروط انتظامه الذاتي .

فالعالم الصلب و المظلم و الكثيف المغلق على نفسه الذي تود الأغنية، أغنية “المغتصب هو انت” أن تقدمه، قوة حقيقية لا يمكن لضمير المخاطب أن يضيئه، ومع ذلك تبقى فكرة الإبداع بالفيديو كليب وباستعمال إحالات رمزية كالعين المغطاة وبقليل من التصميم على مستوى الرقص أن يؤدي رسالة أقوى من أعتى خطاب.

 


شاهد أيضا
تعليقات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.